لابد وأن هناك أسبابا عميقة دعت جماعة الإخوان المسلمين لمخالفة المنطق السياسي وتعهداتها السابقة, والدفع برجلها القوي من وراء الستار للمنافسة علي أكبر موقع تنفيذي دفعة واحدة. ولابد أن هذه الأسباب تتجاوز الخلاف حول تشكيل الجمعية التأسيسية وأداء حكومة الجنزوري, فهذه أمور لا يمكن أن تحدث تغييرات استراتيجية علي نحو ما يكشف عنه الترشيح المفاجيء والمدوي لخيرت الشاطر في سباق الرئاسة, وسوف تظل الاسباب الحقيقية لهذا التغير الدرامي حبيسة حتي يقرر أحد أطراف الأزمة السياسية الراهنة إماطة اللثام عن خفاياها.. ولعل ذلك يحدث قريبا. ردود الفعل الاولي لترشيح الشاطر رئيسا جاءت سلبية.. وهو أمر متوقع, فالتمدد الاخواني في جميع أركان ومواقع السلطة في مصر يثير قلق الكثيرين بما في ذلك التيارات الاسلامية نفسها بل بعض أجنحة الاخوان. وفي الخارج جاءت إشارات قلق من أمريكا ودول غربية ومن اسرائيل علي الرغم من الصورة المعتدلة التي رسمها الشاطر لنفسه في مقابلاته القليلة مع الاعلام الغربي.
اقتصاديا, وعلي الرغم من كونه رجل أعمال ناجحا, أضفي طرح الشاطر للرئاسة مزيدا من الغموض في الاسواق وجاءت أولي الرسائل غير الودية من البورصة التي تراجعت بأكثر من4 مليارات جنيه في اليوم التالي لاعلان الترشيح المفاجأة, وفي ظن الأسواق أن ظهور الشاطر علي المسرح السياسي يعقد العلاقات مع معظم الدول الخليجية الموردة للاستثمارات والتي أبدت تحفظها بالفعل علي سيطرة الاخوان علي مقاليد الحياة السياسية بعد الثورة, واقتصاديا أيضا لا يكفي وصف الشاطر بأنه عقلية اقتصادية وأنه أردوغان العرب حتي تتدفق الاستثمارات وتعود السياحة ويستأنف النشاط المالي والصناعي دورانه, ففي الحسبان دائما تلك الهواجس التقليدية إزاء سيطرة الأحزاب الإسلامية علي مقاليد الأمور في السياسة والاقتصاد.
أمام الإخوان عمل كثير لاقناع الناس بخيرت الشاطر رئيسا, غير أن المهم الآن علي وجه السرعة هو إقناع الأسواق في الداخل والخارج أن إحكام سيطرة الجماعة علي مقاليد السلطة في مصر لن يؤثر علي الاستثمارات القائمة, ولن يغير من الأحكام السارية لشئون الاقتصاد, وإقناع الناس بعد ذلك بأن وجود الشاطر رئيسا سوف يؤدي من خلال برنامج واضح وقوي الي انعاش الاقتصاد, وتوفير فرص عمل جديدة, وتحسين أحوال الفقراء, ولابد ان هذا ما يريده الشاطر ويريده الاخوان, ويريده كل المصريين, لكن العقدة تظل دائما في كيفية تحقيق كل هذه الاماني الطيبة. المزيد من أعمدة عماد غنيم