اختص الله (عز وجل) الصوم من بين سائر العبادات بفضل عظيم فنسبه إلى ذاته العلية، وجعل الجزاء عليه أمراً خاصاً به جل شأنه؛ في حين نسب بقية أعمال ابن آدم له، وجعل لكل عبادة منها أجرا معلوما، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن النَّبِيِّ (صلي الله عليه وسلم) قَالَ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ » [البخاري]. ولكن السؤل الذي يطرح نفسه على الأذهان: ما سر هذه المنزلة التي يتبوأها الصوم من بين سائر العبادات؟ إن للصوم آثارا بالغة في تربية النفس، وتزكية الروح، وتقوية الصلة بين العبد وربه، ولعل أول تلك الآثار ما خُتمت بها آية الصوم (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة:183] ذلك أن الصوم يُربي في المؤمن مراقبة الله (عز وجل) وخشيته وإخلاص العبادة له فما كان ليمتنع عن شهواته ويقاومها إلا لأنه يراقب ربه ويخشاه. وهنا يظهر سر منزلة الصوم بين سائر العبادات حيث إنه من أعظم مظاهر إخلاص العبادة لله تعالى، فكل عبادة لها جانب ظاهر يمكن أن يتسرب إليها الرياء من خلاله، فالصلاة مثلاً فيها من الركوع والسجود والقيام والقعود، ما يمكن للمرائي أن يرائي بصلاته، وهكذا الزكاة والحج وسائر العبادات إلا الصوم فلا سبيل فيه إلى الرياء، فهو أمر بين العبد وربه. وفي الصوم تربية عملية للأغنياء على الإحساس بجوع الجائعين وبؤس البائسين، فمن لا يشعر بالجوع والعطش لا يشعر بآلامهما عند الآخرين، فلا يرق لحالهم ولا يفيض عليهم مما أفاض الله عليه، لكنه إذا عاني عدة مرات ألم الجوع والعطش،كان مؤهلاً للرفق بهم والعطف عليهم. والصوم يربي الإنسان على الصبر والتحمل وقوة الإرادة، ولهذا سمى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) رمضان بشهر الصبر (مسند أحمد) فالصوم يجعل الإنسان يسيطر على شهواته، ويتحكم في نزواته ولهذا قال النَّبِيِّ (صلي الله عليه وسلم) «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» [البخاري]. لمزيد من مقالات بقلم : د.عماد الشويحى