خلال سبتمبر.. مأمورو الضبطية القضائية بالتضامن الاجتماعي أجروا 121 زيارة لدور الرعاية الاجتماعية وذوي الإعاقة ومؤسسات الدفاع الاجتماعي    قيادات وأساتذة جامعات بقائمة المعينين بمجلس الشيوخ.. بالأسماء    محافظ القليوبية يقود حملة مفاجئة لإزالة الإشغالات بمدخل بنها    بعد حادث الوفد القطري.. رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري يستقبل سفير مصر في الدوحة    وزير خارجية لبنان يوجه بتقديم شكوى عاجلة لمجلس الأمن والأمم المتحدة ضد الاعتداءات الإسرائيلية    رئيس الوزراء يبحث مع نظيره الجزائري استعدادات عقد اللجنة العليا المشتركة    إزالة 20 حالة تعدٍ على أملاك الدولة والأراضي الزراعية ضمن الموجة 27 ب الدقهلية    «لن تتعدى 4 ساعات».. صحف عبرية تكشف جدول زيارة الرئيس الأمريكي لإسرائيل (تفاصيل)    تصفيات أوروبا لكأس العالم.. «ديباي» يقود هجوم هولندا في التشكيل الأساسي لمواجهة فنلندا    طقس الاثنين 13 أكتوبر 2025: أجواء خريفية معتدلة وشبورة صباحية ورياح تُلطّف الأجواء    المشدد 6 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه لمتهمين بالاتجار فى الشابو بسوهاج    رئيس الوزراء يستقبل خالد العناني المدير العام الجديد ل«اليونسكو»    وكيل صحة الدقهلية يبحث خارطة عمل المرحلة المقبلة مع مديري المستشفيات والإدارات الفنية    محمد صبحي يفوز ببرونزية وزن 88 كجم ببطولة العالم لرفع الأثقال البارالمبي بالعاصمة الإدارية    يامال يثير الجدل بظهوره في طائرة هليكوبتر    جاكبو يقود تشكيل منتخب هولندا ضد فنلندا في تصفيات كأس العالم 2026    دمياط: فصل المياه في بعض المناطق منتصف الليل حتى الثامنة صباحا    فاينانشال تايمز: مخابرات أمريكا تساعد أوكرانيا في استهداف منشآت طاقة روسية    تأجيل إستئناف المتهم الرئيسي ب " تظاهرات الألف مسكن "    الخريف.. موسم الانتقال والحنين بين دفء الشمس وبرودة النسيم    تأجيل الدعوى المقامة ضد إبراهيم سعيد لمطالبته بدفع نفقة ابنه    مصر تدين الهجوم على مركز لإيواء النازحين بمدينة الفاشر السودانية    على الصعيد المهنى والعاطفى.. حظك اليوم وتوقعات الأبراج الأحد 12 أكتوبر    مي فاروق: أغنية «باركوا» علامة في كل الأفراح.. ومشاركة زوجي في ألبوم «تاريخي» صدفة    أوسكار عودة الماموث.. فيلم يخطو نحو الإبهار البصري بقصة إنسانية مؤثرة    20 أكتوبر.. انطلاق جولة «كورال وأوركسترا مصر الوطني» بإقليم القناة وسيناء    رئيس منطقة مطروح الأزهرية يكرم الطالبة هاجر إيهاب فهمي لتفوقها في القرآن والخريدة البهية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 12-10-2025 في محافظة الأقصر    هل هناك زكاة علي المقتنيات والمشغولات المطلية بالذهب والفضة؟.. أمينة الفتوى توضح    وزير الري يشارك في الاحتفال بمرور 50 عامًا على البرنامج الهيدرولوجي الدولي لليونسكو    الخريف موسم الانتقال... وصراع المناعة مع الفيروسات الموسمية    رئيس جامعة كفر الشيخ يشهد بدء أعمال الجلسة العلنية لاختيار الأطباء المقيمين بكلية الطب البشري    بالأسماء.. الرئيس السيسي يُصدر قرارا بتعيينات في مجلس الشيوخ    قافلة دعوية برعاية «أوقاف مطروح» تجوب مدارس الحمام لتعزيز الانتماء ومحاربة التنمر والتعصب    ما حكم زيارة مقامات الأنبياء والأولياء والصالحين؟ الإفتاء تفسر    سويلم يلتقى نائب وزير البيئة والزراعة السعودى ضمن فعاليات أسبوع القاهرة الثامن للمياه    نجوم الأهلي في زيارة حسن شحاتة بالمستشفى للاطمئنان على حالته الصحية    "سلامة الغذاء" تنفذ 51 مأمورية رقابية على السلاسل التجارية في أسبوع    إصابة 5 فى تصادم سيارة ملاكى وتوك توك وتروسكيل بطريق برج نور أجا بالدقهلية    الأهلي يحدد 20 أكتوبر موعداً لحسم موقف إمام عاشور من السوبر المصري    محمد صلاح يتفوق على ميسي ورونالدو فى سباق الكرة الذهبية 2026    رئيس حزب الإصلاح والنهضة: قمة شرم الشيخ تتويج للدور المصرى التاريخى الحكيم    مستشفيات مطروح تقدم 38 ألف خدمة طبية وتجرى 206 عمليات جراحية خلال أسبوع    رئيس الضرائب: التعامل بالفاتورة الالكترونية والإيصال الإلكتروني يعزز الشفافية    الداخلية تضبط أكثر من 106 آلاف مخالفة مرورية في 24 ساعة    أسعار طبق البيض اليوم 12-10-2025 في قنا    تنفيذ ورش تدريبية مجانية لدعم الحرف اليدوية للمرأة في الأقصر    "الوطنية للانتخابات" تواصل تلقي طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب 2025 لليوم الخامس    محافظ أسوان يتابع استكمال تشغيل المراكز الطبية ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل    مدارس التكنولوجيا تعيد رسم خريطة التعليم الفنى    محمود ياسين من نادى المسرح فى بورسعيد إلى ذاكرة الوطن    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للتقييس "أيزو" لمدة 3 أعوام بعد فوز مشرف ومستحق    غدًا.. عرض أفلام مهرجان بردية السينمائي في ضيافة المركز القومي للسينما بالهناجر    قيادي ب فتح يدعو حماس لإجراء مراجعة وإنهاء حكمهم في غزة.. ويطالب مصر باحتضان حوار فلسطيني-فلسطيني    تركيا تكتسح بلغاريا بسداسية مدوية وتواصل التألق في تصفيات كأس العالم الأوروبية    «كفى ظلمًا».. حسام المندوه: أدخلنا للزمالك 800 مليون جنيه    استبعاد معلمي الحصة من حافز ال 1000 جنيه يثير الجدل.. خبير تربوي يحذر من تداعيات القرار    وزير الأوقاف فى الندوة التثقيفية بالإسماعيلية: الوعى أساس بناء الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعادة بناء الذاكرة بالسينما المصرية.. فى ألمانيا
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 06 - 2015

يبدو أن القدر قد ساقني إلى ألمانيا خصيصا لكي أشهد معرض رائد ياسين. فقد ضعف بصري كثيرا فى الأونة الأخيرة و أصبحت أعمال رائد هى الأكثر مناسبة لى.
يقدم رائد ياسين عدة أعمال فى معرض واحد بينما يستحق كل عمل منهم –فى ظني- معرضا مستقلا بذاته. انه يسعى لاعادة بناء ذاكرته الشخصية من خلال ترتيق فجوات تاريخه العائلى و الوطنى بشذرات من أفلام مصرية ربما تعوضه من ناحية احساس الفقدان، و تقدم له –من ناحية أخرى- مجازا شاعريا يختاره الفنان بحر ارادته، بديلا عن واقع شديد القسوة عاشه منذ طفولته. أرى رائد –رغم ضعف بصري- مبدعا تتحكم فيه طفولته على جميع الأصعدة، فالدافعية وراء أعمال معرضه كلها تكمن فى مرحلة الطفولة و المراهقة، بل أن رائد حتى هذه اللحظة –بالنسبة لي- يتحرك بخيال و هشاشة طفولته. ربما ذلك ما صنع منه فنانا فى المقام الأول. و ربما أننا نتشابه فى هذا الصدد. لذلك يمكنني قراءته قراءة مغايرة عن متابعى أعمال الفنون متعددة الوسائط و متخصصى الفنون البصرية. يمكنني قراءته كسردية طفولية – دون أن ينفى ذلك عنها صفة الاتقان المهنى و المنافسة العالمية- تسعى لاعادة ابداع العالم من خلال تبني رؤية حالمة يلتقي فيها ما هو شخصى بما هو عام، و يتماهى فيها المتخيل مع هو ذاكرة شخصية أو واقع معاش.
لقد تمكن رائد فعليا من ابتكار ذاكرة شخصية لنفسه تتضمن لحظات و مسارات من السينما المصرية كأنها هى حياته المتخيلة، فاحترف لعبة الذاكرة و النسيان، و الحذف و الاحلال، و خلق سيرة ذاتية تتقاطع مع تاريخ السينما العربية من ناحية، لكنها تعيد أيضا تأويل الواقع اللبناني الأكبر الذى شكل حياته و أثر فيها و جعله يلجأ الى ذلك المسار النادر من الانتماء الى المتخيل الذى ما يلبث أن يتملكه و يغير من مجازيته و معناه ليصبح مرتبطا به. و من ثم نرى مقاطع البولارويد المكبرة من لقطات أفلامنا المصرية المشهورة و قد اكتسبت سردية جديدة هى قصة رائد الطفل.
وقعت فى غرام لقطات البولارويد المهتزة و غير الواضحة. كانت مناسبة لبصري و لم تتحدى قدراتي قط كما تتحداني مؤخرا الصور الدقيقة الواضحة التى تبدو واثقة للغاية من محتواها، و التى تحط من علاقتي بها لأننى لا أقوى على استبصارها بنفس الحدة و الجلاء التى تتطلبها – بل تفرضها- علي. فى بولارويد رائد ياسين ألفة لمن تعودوا على النسيان و على الذاكرة المشوشة. فيه حنو و حنين لمن ألفوا اعادة بناء ذكرياتهم دون الالتزام بحرفية المعنى المتفق عليه للصورة، بل دون أن يلجأوا للاخرين كى يصدقوا على ذكرياتهم كي تكتسب مصداقية. ان الذاكرة هى أيضا عالم معرفى كامل يسهم فى بناء الفرد، و كلما كبر الفرد تغيرت رؤيته لذاكرته و أعاد تشكيلها. ان الذاكرة فى الأغلب ليست موجودة بشكل ثابت و مطلق يجوز أن نتفق عليه جميعا. انها مجرد أصداء من لحظات أثرت فينا، فاحتفظنا بوقع أثرها فى الذاكرة. لكن تلك الذاكرة تتعرض باستمرار لاعادة التأويل، و غالبا ما يحدث ذلك بطريقة لا ارادية فى مسار مداواة الانسان لنفسه، فيحدث الابعاد و التقريب و التعديل و التلوين. تتغير الصورة تغيرات لانهائية دون سلطة تقيدها. هكذا أيضا تتغير لقطات بولارويد رائد لتغادر ارتباطها فى خيالى بلحظات عرض تلك الافلام، و تتخذ موقعا جديدا هو حياة رائد فى نظرى الضعيف، و الذى يستريح للتعرف و التوحد بسبب طبيعة اللقطات المشوشة و الغائمة أحيانا. هكذا يختتم رائد مساره المعقد و الشائك –رغم طفوليته- بأن يتخلل ذكرياتنا الشخصية الفرد تلو الاخر ليضع بصمته على لحظات أيقونية فى السينما المصرية.
عندما نشاهد التقطيع المتوازي و المتكرر من مشهد هروب محمود عبد العزيز داخل مواسير المجاري العملاقة الفارغة، فى فيلم «نص أرنب»، سوف نتذكر هذا الفيلم بعدها بطريقة مغايرة لخبرتنا به. سوف نتذكره كعلامة على مقتل والد رائد الذى تمت سرقة أمواله أيضا، و من ثم نتلقى «نص أرنب» ليس فحسب كأيقونة لصانع السينما الكبير محمد خان يرصد بها تحولات المجتمع الرأسمالى المصري و تضاؤل قيمة الانسان، و انما كعلامة من التاريخ الشخصي لرائد ياسين و حكايات أسرته و طفولته. هكذا أيضا نرى لقطة لمحمود ياسين و هو يراقص يسرا، بينما يكتب رائد سردا أسفل الشاشة –هو كترجمة مجازية- يشرح فيه المعنى الذى يقترحه لهذه اللقطة و يتخيل أن والده «سمير ياسين» قد غواه فن التمثيل و هاجر الى القاهرة و أصبح الممثل المشهور «محمود ياسين» و غير اسمه من «سمير» الى «محمود». يحاول رائد الطفل أن يحنو على نفسه و يداوى فاجعة مقتل الأب، انه أيضا يذكرنا جميعا بمداواتنا المتخيلة لجراحنا منذ الطفولة، تلك المداواة التى فقدنا الحق فيها بمجرد نضوجنا و حرماننا من بوابة الخيال الجامح الذى من شأنه أن يجعلنا جميعا مبدعين..
لقد حافظ رائد ياسين على بوابة خيالية خاصة به و تحمل توقيعه الشخصى. لكنه استطاع أيضا أن يفتح تلك البوابة على بوابات طفولتنا جميعا. لقد جلست أتابع فيلمه القصير «كاريوكي» فى قاعة «أكاديمية فنون العالم» بمدينة كولونيا، لأشهد بذور عقدة رائد الطفل من حكم الآخرين عليه عندما لم يتمكن من الغناء كما يجب مصاحبا لوالدته أمام الجمهور، لقد انكسر شيء ما لدى رائد الطفل حينها، شيء ما حفزه كي يصنع تاريخه و استحقاقه الخاص فيما بعد و على مدار سنوات عمره. لكنني شهدت أيضا والدة رائد على فراش المرض، شهدت لحظات أصيلة و خاصة قبض عليها رائد بكاميرته السينمائية كي يمد فى عمر والدته حتى اليوم. للحظات خيل الي أننى أشاهد جدتى التى قضت سنوات على فراش المرض و كانت نموذجا للاصرار والشجاعة، للحظات حضرت جدتي و رأيتها ببصري المشوش فى وجه أم رائد و حضرتها، تجمعت الدموع فى عيني و لم تغادرها حتى الآن. لقد أصبحت والدة رائد جدتي و اندمجت ذكرياتنا...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.