تهب علينا بشائر موسم العبادة والتقوى وتستروحها قلوبنا ، وإذا كان قدوم الشهر الكريم فى السنوات الأخيرة يصادف شهور الصيف من فصول العام حيث تطول ساعات النهار ، وتزداد درجات الحرارة ، وترتفع نسبة الرطوبة ، ويشتد الجوع والعطش بالصائمين. فكان لابد من تأكيد حقيقة مهمة يجب على المسلم أن يتذكرها جيداً وهو يستقبل هذا الشهر الكريم؛ وهى أن الله الرحيم لا يعنيه من صومك أيها الصائم حرارته ومرارته ، ولا يناله من جسمك ذبوله وهُزاله، ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة: 185] (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) [الأعراف: 32] إن ما فى الصوم من حرمان ليس هدفاً فى ذاته، بل هو وسيلة لغاية نبيلة هى التدريب على الصبر والتحمل وقوة الإرادة التى تؤهل صاحبها إلى السيادة والقيادة؛ قيادة النفس وضبط زمامها وكفها عن أهوائها وحبسها عن نزواتها وملذاتها. ثم تأتى التوجيهات النبوية لترتقى بتلك القيادة إلى أعلى مراتبها، فللقائد صفات لابد وأن يتحلى بها من حسن الخلق وسعة الصدر، والحلم والصبر، وعدم رد الإساءة بمثلها، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ:(الصَّوْمُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّى صَائِمٌ) (مسند أحمد). وهكذا يتدرج الصوم فى بناء الشخصية الإيجابية فمن صبر إلى صبر ومن نصر إلى نصر، فالصائم الذى يصبر على الجوع والعطش فى نهار رمضان طائعا مختارًا يكون بهذا أقدر على الصبر فى البأساء والضراء، والصائم الذى ينتصر على عدوه الذى بين جنبيه، يكون بهذا أقدر على الانتصار على العدو الخارجى المتربص، وتلك هى عاقبة التقوى التى رشح الله الصائمين للفوز بها فى قوله تعالى ( يَاَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) [البقرة: 183]. المدرس بقسم الدراسات الإسلامية بآداب سوهاج