لا شك أن زلزال السابع من يونيه الفائت، أفقد سلطان الاناضول توازنه بعد أن كان منتظرا إشارة النصر لتكريس نسقه الفريد متجسدا في الرئاسة الإميراطورية. وفي اليوم التالي الأثنين والذي ولدت معه تركيا مغايرة مؤقتا على الأقل ، كان عليه أن يتوقع بعض التوابع ، آثرا التروي والانحناء قليلا أمام العواصف العاتية، وهكذا أخذ يلتقط أنفاسه مستندا على ذراع زوجه السيدة أمينة على سلم الطائرة التي أقلته من إسطنبول لتحط به بمطار إسينبوا في العاصمة أنقرة، وشغله الشاغل أن يحدد أولوياته لعله يتوصل إلى ما يجب فعله لمواجهة إعصار المارثون التشريعي الذي سحب منه لأول مرة اغلبيته بالبرلمان المستمرة دون انقطاع منذ ثلاث عشرة سنة. وبالفعل ظهرت عباراته هادئة ساكنة ، لكنها سرعان ما عادت من جديد إلى صخبها وعنفها وغرورها، فما أن دلفت طائرته الرئاسية " الفاخرة " المجال الجوي لبلاده عائدا من أذربيجان مساء السبت الماضي، وخلال لقائه مع الاعلاميين المواليين له بالمطلق، أفصح عن بعض ما خطط له ودرسه بعناية، بأنه لا مناص من انتخابات، لم يرغب في أن يصفها ب" المبكرة " وهو المصطلح الطبيعي لتلك الخطوة حال أتخذت، بل اعتبرها " عادية " كون الاقتراع سيعاد مرة أخرى ، وكأنه أراد أن يطمئن شعبه المنهك، بشأن ما سوف يقدمون عليه بالتوجه لصناديق الاقتراع لن يضيف أعباء مالية على الدولة، ياله من منطق عجيب! محيطوه ومريدوه، هم أيضا أفاقوا من فجيعتهم، وراحوا يعيدون ترتيب صفوفهم، في إشارة إلى من يهمهم الأمر وهي أن المعركة لم تنته بعد، وستتخذ منحنى مغايرا ولترجمة ذلك هاجموا مجلة نقطة "الأتاتوركية" نسبة إلى مصطفي كمال أتاتورك، المعروفة ، بسبب غلاف عددها الأخير الذي حمل صورة مطموسة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعليقا على نتائج الإنتخابات البرلمانية التي أجريت الاحد قبل الماضي، وتحت سمع وبصر أجهزة الأمن لم يجد رضوان بورال رئيس ما يسمي جمعية "تركيا من العالمية إلى المحلية"، والتي نظمت التظاهرات التي احتشدت أمام مقر المجلة أدني غضاضة في أن يجاهر بنواياه قائلا ان " نقطة قامت بعمل لا يمكن وصفه إلا بأنه غير أخلاقي، ومضي مسترسلا " أن ما حدث مثال آخر يبرهن علي وجود وسائل اعلام تبث الحقد والكراهية " مشددا بأنهم لن يقبلوا بأي شكل من الأشكال إهانة رئيس البلاد بنشر صورة له وقد ارتبطت بزعماء التنظيمات الإرهابية. الدورية السياسية الرصينة نفت من جانبها جملة وتفصيلا ما وصفته ادعاءات لا أساس لها ، موضحة بأنها لم تشأ أن تصف أردوغان بالإرهابي، أو تقارنه بأسامة بن لادن، فقط رسمت غلافا يوضح أن الشعب التركي مسح "الأسد" الموجود بداخل أردوغان، والمعنى ظاهر جلي ألا وهو محو النظام الرئاسي، وزادت ملخصة هدفها في عبارة مؤداها لقد " تم غلق الطريق أمام حلم الرجل الواحد، الذي تبخر". غير الشئ المحزن والذي بات يسترعي إنتباه المراقبون، ولم تعرفه وريثة الامبراطورية العثمانية في عقودها الثمانية التي سبقت العدالة والتنمية، هو تنامي ظاهرة البلطجية في مؤشر ينبئ بأن المرحلة القادمة ربما شهدت ميليشيات وأن اخذت أسماء وعناوين كيانات ذات صبغة قانونية ، بيد ان أغلب المشاركين في الاحتجاجات ضد " نقطة " من العاملين ببلدية تشاكماكوي بإسطنبول، التابعة للحزب الحاكم وهم انفسهم الذين يقومون بحشد الناس في مؤتمرات أردوغان . لكن يا تري هل ستصمت قوى التغيير ؟ التي لا يبدو أن صرخاتها ستتوقف بل العكس هو الصحيح ، إذا اعلنت المعارضة رفضها قبول أي دور لاردوغان في تشكيل الحكومة المرتقبة فما هو مرسوم له بالدستور عليه ألا يتخطاه ، ولا تنازل في ذلك ، وبتصعيد ينم عن ثقة تزايدت عقب نتائج السابع من يوينه ، رفض زعماؤها كمال كيلتش دار أوغلو ودولت بهتشلي أي لقاء مع اردوغان ، لينسفا بالتالي تصريحات الأخير وفيها تفضل وقال أنه سيلتقي قيادة الاحزاب السياسية للتشاور بشأن الحكومة الثالثة والستين في عمر الجمهورية. ولأن خصوم الحكم لا يقتصرون فقط على الأحزاب، فهناك منظمات للمجتمع المدني والمثقفون والكتاب، والذين راحوا ينصحون المعارضة بالتوحد والعمل دون انتظار تشكيل الحكومة، فالاحزاب يمكنها تشريع القوانين بل يكفي وفقا لما ذهب إليه الكاتب " إبراهيم عصالي أوغلو " في مقالاته بصحيفة زمان أن يكون هناك تعاون بين أحزاب المعارضة من أجل تمكين البرلمان بتشكيل لجنة تحقيق جديدة في قضايا الرشوة والفساد والتي أزيح النقاب عنها يومي 17 و25 من ديسمبر عام 2013 ، ويمكن تحقيق ذلك في وقت قصير، وربما يحظون بدعم من بعض أعضاء العدالة والتنمية نفسه. كذلك فأصواتها التي صارت أكثر من أصوات العدالة والتنمية حتى ولو بصوت واحد، تستطيع (وهي التي تملك 292 مقعدا) ، إصدار القوانين كما تشاء وتشريعها عمليا، وإلغاء ما تم تمريره عنوة اي إنها تملك القدرة على تغيير تلك الغير ديمقراطية ، والتي ضيقت الخناق على الحقوق والحريات والمنعوتة ب «سيئة السمعة لانتهاكها للدستور بل وتعليق العمل به،. إضافة إلى كل ذلك أسست بل وفصلت (بضم الفاء) بموجبها دوائر الصلح والجزاء بالمحاكم ، خصيصا للإطاحة بالمناوئين الحاليين والمحتملين للرئيس أردوغان، وشدد عصالي أوغلو على أهمية ما سماه ب " ترميم القانون " بعد أن تحول إلى أنقاض في عهد العدالة والتنمية (معتبرا أنه صار ماضا وتلك دلالة ) أصبح يقع على عاتق المعارضة. وهكذا من المستحيل أن تعود تركيا إلى ما كانت عليه، في السادس من الشهر الحالي فقد بدأت والعهدة هنا على الصحفي الكبير مصطفى أونال، وتيرة السابع من يونيو الذي لم يسدل الستار على مفاجآته مدخرا إياها للأيام والاسابيع والشهور القادمة ، لقد انتهت سلطة حزب العدالة والتنمية، وتبق النصيحة التى أسداها أونال للقائمين عليه وهي " أن لم يسرعوا إلى محاسبة أنفسهم بأنفسهم وبصورة حقيقية فستكون هذه الأيام هي أفضل أيامهم ، وأن لم يفعلوا فالقادم هو الأسوأ ، وليسمعوا مني هذا…"