رغم حرارة التطورات في الجوار القريب والبعيد علي السواء فإن مرحلة ما قبل إنتخابات الثاني عشر من يوينة المقبل والتي تعيشها تركيا الآن تكاد تكون الشاغل الوحيد للاتراك، فلا صوت يعلو علي صرخات حناجر المرشحين من أجل الاستحواذ علي أصوات أهل الاناضول الكرام. لقد جاء الوقت المفترض فيه أن تثأر المعارضة لغيابها الطويل عن السلطة من أجل هذا تسعي جاهدة لشحذ همم الملايين كي يعودوا ويصوتوا لها من جديد فهل تحقق النصر المبين وتزيح حزب العدالة المتربع علي سدة الحكم منذ تسع سنوات أو علي الأقل تشاركه الكرسي العتيد في الباشباكلنك حيث مقر الحكومة بوسط العاصمة أنقرة وها هي اللافتات ذات السهام الستة التي تمثل مبادئ الجمهورية الكمالية والتي تنطلق من أرضيات حمراء متجهة نحو المستقبل تغطي اركان المدن الكبري خصوصا تلك الواقعة علي بحر ايجة وساحل المتوسط في الجنوب أنه شعار الشعب الجمهوري بثوبه المتواضع والمتأقلم مع حركية المجتمع وبزعامة كمال كيلتش دار أوغلو والذي سبق ووعد مؤيديه بأن يحصل الحزب علي40% من الاصوات لكن هذا يبدو صعب المنال إلا إذا تحققت المعجزة. وفي أجزاء من وسط البلاد وبالاتجاه إلي الشرق البعيد تظهر آلاف الأعلام وقد توسطتها اللاءات الثلاث شعار حزب الحركة القومية اليميني الذي يتوق إلي تأييد الرافضين تقديم أي تنازل للأكراد الانفصاليين. أما الحزب الحاكم فالأمر جد مختلف فالثقة المتناهية تحدوه وقياسات الرأي العام تؤكد علي تفوقه وأنه في القمة متوجا دون شريك هكذا تقول الارقام والنسب المئوية ورغم شكوك هنا وهناك إلا أن المرئي في أسطنبول أو أنقرة أو المناطق الشاسعة بقلب تركيا تجد فضاءاتها وقد أكتست باللون الاصفر ممزوجا وعلي نحو خلاب بالمصباح وضوئه الشفاف بلون السحاب أو' البولوطلر' كما يعنون في اللغة التركية وما أن يحل زعيمه رجب طيب اردوغان للمكان كي يبدأ دعايته إلا وتجد الساحات وقد أكتظت بالجميع من نساء واطفال وشيوخ وعجائز وشباب وفتيات بحيث يخيل للمتابع أنهم تركوا منازلهم وخرجوا عن بكرة أبيهم كي يشاهدوا قائدهم المظفر ومع كل وعد يزفه لهم تنطلق أهازيج الفرح والحبور وتتهلل الأسارير التي لا تأبي بالمطر العائد بقوة في غير موسمه وكيف تخشاه وهو الخير القادم مع هذا الرجل المبارك بعون الله. المثير أن الناخبين ليسوا هم الذين يتسابقون نحوه ويتلهفون لسماعه بل الإعلام المرئي راح هو الآخر يرصد وينقل كل كلمة ينطقها وعلي الهواء مباشرة, وإذا حدث وسألت عن سر هذا الولع بأردوغان يجيئك الرد دون تفكير: أنه صاحب الانجازات ولابد أن يأخذ حقه. في المقابل تتعجب بعض الأقلام' التي باتت توصف بأنها مغرضة' من هذا الكم المفرط من الوعود صحيح أن تاريخ الانتخابات التركي مليء بالأحلام والأمنيات لكن ما يحدث الآن فاق كل الماضي! فجزء من هذه الوعود لا يهضمها عقل ولا تستوعبها إمكانات البلاد كهذا' المشروع المجنون' الذي يتضمن تقسيما ثانيا لاسطنبول علي غرار الدردنيل وذلك بشق بوغاز بطول70 كليو مترا يصل البحر الاسود بمرمرة والهدف كما قال اردوغان نفسه تحويلها لكي تصبح مركزا تجاريا عالميا بعد نقل البنك المركزي من العاصمة ليستقر في مركزها وهو ما اعتبرته قوي المعارضة بمثابة محاولة غير مباشرة لجعل المدينة التاريخية عاصمة للدولة التركية مثلما كانت أيام السلطنة العثمانية. ولا يكتفي رئيس الوزراء وزعيم حزب العدالة والتنمية بذلك بل تعهد أمام ناخبيه بتنفيذ برنامج طموح يتناسب مع مئوية تأسيس الجمهورية والتي باتت قريبة في2023 عندها لن تكون هناك معاناة وستصبح تركيا بفضل وجوده حينذاك ضمن العشر الكبار علي مستوي العالم إقتصاديا وخفض معدل البطالة الي ما دون5% إضافة الي رفع حجم الاقتصاد من75 مليار دولار الي تريليوني دولار وبحيث يصل معدل دخل الفرد الي25 الف دولار في السنة هذا بالاضافة الي وعده باعداد دستور جديد وتسوية كل المشاكل السياسية خلال الأثنتي عشرة سنة التالية وفي مقدمتها قضية الاكراد والعلويين. هذا لا يعني أن اردوغان لن يقدم شيئا عاجلا بل علي العكس فقد أكد للجماهير الغفيرة أن كل طالب في مرحلة ما قبل الجامعة سيكون لديه أحدث جهاز كمبيوتر لاب توب من تلك النوعية الصغيرة التي يمكن أن يضعها التلميذ في حقيبته المدرسية. أمام هذا الطوفان من الوعود ماذا تستطيع المعارضة أن تقدمه لأبناء الشعب فهي لا تملك بطبيعة الحال موارد مقارنة بالعدالة المدعوم من شرائح رجال الأعمال المنتفعين من إستمرار الحكومة ورئيسها لكن حزب الشعب الجمهوري ابتعد عن منطق' الرشاوي الانتخابية' وفقا لتوصيفه وليس توصيفنا وراح يطرح خطة تم دراسة بنودها بحيث يمكن تحقيقها عمليا حال وصل الحزب إلي سدة الحكم أهم هذه البنود: تخفيض سعر الوقود للمزارع الي ليرة ونصف أي ما يعادل دولارا تقريبا بدلا من السعر الحالي ثلاث ليرات ونصف الليرة أي ما يساوي دولارين وثلاثين سنتا إضافة الي منح راتب شهري قدره600 ليرة(400 دولار) لكل عائلة فقيرة مع تقديم مساعدات التغذية الشهرية لاطفال العوائل الفقيرة ومنح وجبات الطعام بشكل مجاني للطلبة الجامعيين. ولايبقي في مشهد الوعود سوي أصحاب الذئاب الرمادية القوميين العتاة ورغم أنهم يأتون في المرتبة الثانية ضمن قائمة أحزاب المعارضة إلا أن مسيرتهم تواجه بعراقيل لم تكن في الحسبان وإشاعات زعمت أنهم لن يتمكنوا من تجاوز حاجز ال10% المقرر لدخول البرلمان.