رغم أن حديث الساعة الذي تعيشه تركيا ، يتعلق بالانتخابات المحلية ، فإن هناك شبه إجماع على أن نتائجه ستكون مفصلية ، وربما شكلت علامة فارقة في مسار الحياة السياسية بالاناضول ، وها هم كثيرون يعتقدون في أن مرحلة مغايرة سوف تشهدها البلاد ، يعزوهم في ذلك التطورات العاصفة التي بدأت إرهاصاتها بأزمة حديقة بارك جيزي ، بميدان تقسيم إسطنبول في أوائل يونيو الفائت ، ومازالت تتفاعل حتى اللحظة متخذة أشكالا عدة وأن كان مضمونها واحد ألا وهو رفض هيمنة حزب العدالة والتنمية ، رغم صراع الأخير وإستبساله من أجل البقاء على سدة الحكم ، مستخدما فى ذلك كافة الوسائل بما فيها تلك الوسائل غير المشروعة كالرشاوي الإنتخابية على سبيل المثال لا الحصر . فوفقا لما رددته صحيفة يورت الشهيرة أكد سكان منطقة فاتح بالمدينة التاريخية عاصمة الخلافة المنقضية ، أن اعوان العمدة الحالي قادر طوبباشي مرشح الحزب الحاكم الذي يواجه موقفا صعبا مع منافسه مصطفى صاري جول مرشح الشعب الجمهوري المعارض ، يعتزمون دفع أكثر من 200 دولار مقابل الصوت الواحد . في ظل هذا المناخ المحموم ، تتواصل تسريبات الفضائح ، وكان أخرها محادثة بين رجب طيب اردوغان وبكير بوزداغ وزير العدل في حكومته ، طالب فيها الرئيس مرءوسه بالتدخل لحسم قضية منظورة أمام القضاء وهو ما إعتبره مشرعون انتهاكا خطيرا لدولة القانون، والاسوأ من ذلك، قيام اردوغان نفسه بتحديد العقوبة التي يجب أن تنزل على خصمه. ولأنه مأزوم فها هو ينتظر بفارغ الصبر معجزة للوصول بأي ثمن إلى مرفأ، يتمثل هنا في تخطي الإمتحان الأصعب الذي يواجه حكمه الممتد لإحدي عشرة سنة والمقرر أن يجرى بعد عشرة أيام. فبعد أن كان يروج ، قبل أقل من سنة، أن حزبه لن يحصل في أي انتخابات على أقل من 60%، فقد اصبح الآن يستجدي الناخبين، وكل أمله الوقوف عند عتبة ال 40 %، فأن تحققت تلك النسبة، فهو كفيل بفضل وسائل إعلام مهمة باتت ملك يمينه، بتحويلها إلى إنتصار كاسح بل ومدو، وهكذا فكل يوم يمر يكون إيذانا بإقتراب ساعة الحسم. وللمصادفة، تم إطلاق سراح "اليكار باشبوغ" رئيس الاركان السابق ، بعد 26 شهرا قضاها سجينا ، رهنا لتحقيقات حول مزاعم مشاركته في التخطيط لإنقلاب ضد حكومة العدالة والتنمية ، في حكايات عنونت تارة بالارجينكون وثانية بالمطرقة ، وثالثة بالتحريض بواسطة الشبكة العنكبوتية ، لعل تلك الخطوة تهدئ من روع مؤيدى العسكريين الأتراك الذين أريد لهم الهوان في السنوات الخمس الأخيرة، وفي ذات الوقت ذاته تعزز فرص مرشحي العدالة المتقهقرين في إستطلاعات الراي الخاصة بالسباق الانتخابي في 30 مارس الحالي . ورغم ذلك التفاؤل إلا أن اطلاق سراح الجنرالات ومعهم المدنيين الذين إتهموا في ذات القضيتين أحدث تصدعات في دوائر السلطة نفسها، حيث انتقد شامل طيار نائب الحزب الحاكم عن مدينة غازي عنتب المحسوب على الداعية الشيخ فتح الله جولين مفجر قضايا فساد أردوغان وعائلته وزمرته ، بأسلوب شديد اللهجة ، عملية الافراج متهما قيادات حزبه بالخنوع للابتزاز حسب وصفه مهددا بالاستقالة. ورغم أن موعد مارثون إنتخاب رئيس الجمهورية معلوم سلفا، إلا أن تحديده رسميا في العاشر من أغسطس القادم، أضاف بدوره زخم إلى حالتي الصخب والغليان، وهم أصلا على أشدهما خاصة مع التلميحات بأن الجنرال المتقاعد الذي فك قيود أسره، قد يتقدم الى الانتخابات مدعوما من احزاب وقوى علمانية وتيارات مناوئة لأصحاب النزعة الإسلامية المحافظة المتسيدة حاليا وبالتوازي إنبري كتاب صحف سيارة تأييدا وترحيبا بباشبوغ إذ قرر المضي قدما فى خوض المارثون من أجل تبوأ هذا المنصب الرفيع ولم يخف حزبا المعارضة الرئسيان الشعب الجمهوري والحركة القومية دعمهما المطلق لأحد أشد المدافعين عن مبادئ مصطفي كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة. وفي حال تحقق هذا سيضاف منافس ، ربما لا يكون عتيدا ، إلا أنه في كل الاحوال لن يسهل أبدا مهمة اردوغان الشغوف التواق لحلمه الأخير بالجلوس على عرش الكشك (القصر الجمهوري ) رمز البلاد بلا منازع . هناك ايضا ند قد يقلب الموازين رأسا على عقب ، أنه عبد الله جول، الذي لم يستبعد إمكانية خوضه الانتخابات الرئاسية ألم يقل أن كل الخيارات مفتوحة ، فرفيق الماضي الذي كان يمكن أن يضحي من أجله ، لم يعد كذلك ، فمنذ العام 2007 ، ومسارهما بدأ بالتباعد تدريجياً ، والازمة الحالية عمقت الهوة بينهما، ففي الوقت الذي كانت الحكومة تنعت المتظاهرين بالمخربين اللصوص كان جول يحذر من «التصرفات التي قد تضر بدولة القانون الديمقراطية ، داعيا أهل الحل والعقد بان يبذلوا مزيداً من الجهود للإصغاء الى مختلف الآراء وتبديد مخاوف المواطنين ، وما زاد من الفوارق أيضا ان الرئيس معروف بأنه مقرب من الداعية جولين الذي يعتبره رئيس الوزراء عدوه اللدود . وتأسيسا على ذلك يري مراقبون أن فرص جول في ظل التردي السياسي الحاصل أصبحت مواتية وفي امكانه الظفر بولاية ثانية كرئيس للجمهورية والسؤال بعد كل هذه الانتكاسات التي عصفت ومازالت تعصف به ، هل لدي اردوغان الشجاعة في أن يترشح للرئاسة ؟ هذا هو بيت القصد ، صحيح وضعت استطلاعات الراي حزبه في المركز الأول إلا أنها اتهمته بالديكتاتورية والتسلط فخارجيا تراجعت تركيا كثيرا ولم يعد وصفها بالاسلام المعتدل أو الاسلام السياسي الديمقراطي يحظي بقبول سواء لدى الأمريكيين أو ساسة القارة الأوروبية العجوز وفي الشرق الاوسط لا يمكن ان تكون البديل المناسب للتوصل لتسوية القضايا المتعلقة بتلك المنطقة الأكثر سخونة في العالم وإستراتيجيتها الفاشلة في الشأن السوري لخير مثال وداخليا يكفي ما قاله كمال كيلتش دار أوغلو زعيم الشعب الجمهوري الذي تساءل كيف لاردوغان ان يجلس على مقعده ويداه ملوثتان بسرقة اموال دولته وشعبه بعد الكشف عن اكبر فضيحة فساد ورشاوي في تاريخ الجمهورية التركية الشواهد اذن تبرهن على أن اردوغان لن يكون رئيسا للجمهورية فحسب بل قد لا يتمكن من أن يستمر على رأس حزبه الذي يبدو أنه سائر في طريقه المحتوم ليصبح العدالة والتنمية سابقا....