كان يا مكان, كان في حكاية, رواها العالم كله شعار سيرفعه غدا, معظم سكان المعمورة بكل اللغات, احتفالا باليوم العالمي لكتاب الطفل. وعلي الرغم من أن القضايا الساخنة و الأوضاع الملتهبة في مناطق عدة في عالمنا العربي تنبئ بمحدودية الاحتفال بهذه المناسبة التي اختار لها العالم يوم ميلاد كاتب الأطفال الدنماركي المعروف هانز كريستيان أندرسن, فإن هذه القضايا والأوضاع, تحديدا, هي التي تفرض علينا اليوم أن نتوقف أمام حدث و فكرة الاحتفال ورسالة الكاتب المكسيكي فرانسيسكو هينوجوسا التي يرسلها للدنيا في اليوم العالمي لكتاب الطفل لهذا العام. ففي خضم الأزمات التي يتعرض لها الوطن علي المستوي المادي الملموس و المعنوي ومواجهة أسئلة كبري حول الهوية وشكل المستقبل وصناعة التوافق و تحديد أطر وأساليب الاختلاف و المعارضة, و التعرض لأزمات كبري أحدثها تداعيات الصراع القائم حول تشكيل لجنة وضع دستور مصر و الفشل الذريع في تحديد آليات و ضوابط واضحة لمفهوم السلطة أو شكل المجتمع المصري,, ربما يصبح التفكير في مستقبل أطفالنا أشبه بالعثور علي حاد يكون لنا الدليل للخروج من دروب صحاري التيه التي تكاد رمالها تبتلع ماضينا وحاضرنا بل والمستقبل!! ولأن أطفالنا هم المني و الطلب, ولأن البحث عن طاقة نور تبدد الظلمة من حولنا و تبعث الطمأنينة في نفوس أبنائنا, ولأن رأس الكسلان بيت الشيطان كما يقول المصري الفصيح, و لأن الكتاب كان و سيظل إحدي أهم وسائل المعرفة و بناء الإنسان ثقافيا و مجتمعيا و التفاعل بين الثقافات المتنوعة, نتوقف أمام كلمات هينوجوسا التي أوضح فيها هذا الدور وأثر القصص في صقل الخيال وحفز العقل للعثور علي حلول مبتكرة للعقبات التي يواجهها البشر, وكلها أمور نحن أشد حاجة إليها الآن من أي وقت مضي.. فالحدث الذي يرعاه المجلس الدولي لكتب الشبابIBBY, في جميع أنحاء العالم و يهدف إلي تحسين مستوي ودعم كتب الأطفال و إتاحتها لهم في كل مكان, يلتقي الأطفال خلاله بالمؤلفين والرسامين, وتقام مسابقات كتابه, و يتم الإعلان عن جوائز الكتاب وتوزيع كتب الأطفال علي المدارس ومراكز الأطفال وإقامة جلسات قراءة لقصص الأطفال وتقديم عروض مسرحية وعروض عرائس وتوزيع كتب مجانية أو بيعها بأسعار مخفضة. و يتم سنويا طرح شعار جديد يكون عنوانا للاحتفال بكتاب الطفل علي مدي العام. و يتم اختيار الشعار بالتداول بين البلدان. ففي كل عام تقوم شعبة من شعبات المكتب الدولي لجيل الشباب في بلدان العالم بتصميم رسالة و شعار وملصق اليوم العالمي لكتاب الطفل. و إذا كانت الكاتبة الأستونية أينو برويك قد اختارت في العام الماضي أن تتناول دور الكتاب في حفظ و تلخيص تاريخ البشر ولخصت رسالتها في شعار الكتاب يتذكر, فقد اختار الكاتب المكسيكي فرانسيسكو هينوجوسا في عامنا هذا أن يتناول دور القصص في صنع عوالم تثير الدهشة و تستثير الخيال و تحفظ للبشرية تراثها الحضاري و تحقق تواصله و أن يلخص كل ذلك في شعار كان يا مكان, كان في حكاية, رواها العالم كله. يقول هينوجوسا في رسالته التي تدشن بدء الاحتفالات بيوم كتاب الطفل ملأت هذه القصص العالم بالكلمات, والذكاء والصور الشخصيات الاستثنائية ودعت العالم للضحك, للدهشة, وللتعايش ومنحته معني خاصا و يقول في موضع آخر عندما نقرأ القصص, ونرويها ونصغي إليها, فنحن نصقل خيالنا, كما لو أن خيالنا بحاجة إلي تدريب ليحافظ علي صفائه. ففي يوم من الأيام, وبالتأكيد بدون علم منا,ستعود إحدي هذه القصص إلي الحياة, وتقدم حلولا مبتكرة للعقبات التي نواجهها في الطريق. عندما نقرأ القصص, أو نرويها, أو نستمع لحكايات تروي بصوت مرتفع, فإننا نواصل طقوسا قديمة لعبت دورا أساسيا في تاريخ الحضارات وتكوين المجتمعات. وتجميع الثقافات, والعصور القديمة, والأجيال معا و يستطرد قائلا كان يا مكان, كان في بلدة مليئة بالخرافات,والقصص, والأساطير, التي تناقلتها الأفواه عبر القرون, حيث يجتمع الناس ليتبادلوا الأفكار حول الخلق, ويحكون تاريخهم, ويتبدلون موروثهم الثقافي, ويتحدثون بإسهاب, ويرسمون البسمة علي الوجوه. كانت بلدة, لم يوجد فيها إلا القليل القادر علي اقتناء الكتب. ولكن التاريخ بدأ بالتغير, واليوم, تصل القصص إلي كل أرجاء بلدتي, مكسيكو. وخلال سعيها لإيجاد قرائها, تقوم هذه الكتب بدورها في تكوين المجتمع, وتكوين العائلة, وتكوين الأفراد الأكثر قدرة علي إيجاد سبل السعادة. وأخيرا فإذا كنا نحن جيل الآباء قد عجزنا حتي اللحظة عن حل معضلات حاضرنا, فلا أقل من أن نحاول ألا نصادر علي حق صغارنا في العثور علي مفاتيح حلها و الوقوف علي دروب المستقبل وإيجاد سبل السعادة, و كلها أمور مرهونة بإقامة بناء ثقافي حقيقي, أحد أهم أركانه القراءة وتحرير العقل و الخيال..فهل نأمل ألا تلهينا معضلاتنا عن أن نحتفل مع أطفالنا, غدا, بيوم كتابهم و أن نقرأ معهم بضعة أسطر, ربما ترسم حلما وتصنع غدا! أرجو ذلك. ge.gro.marha@ahieless