ماذا يقرأ المصريون؟! هل ارتفعت معدلات القراءة واقتناء المصريين للكتب في السنوات الماضية؟! هل الزيادة في أعداد دور النشر الخاصة تعكس ارتفاعا في مستوي وعي الأسر المصرية بأهمية الكتاب ومن ثم الاقبال علي شراء الكتب؟؟ أسئلة تطرح نفسها علينا طوال الوقت, وإن كانت تصبح أكثر إلحاحا في لحظات بعينها يتصدر فيها الكتاب المشهد الثقافي, سواء مع بدء أو انتهاء معارض الكتاب أو مهرجان القراءة للجميع, أو كما هو الحال اليوم ونحن علي مشارف شهر أبريل الذي تشهد بدايته الاحتفال باليوم العالمي لكتاب الطفل, والثلث الأخير منه الاحتفال باليوم العالمي للكتاب.. ففي يوم الجمعة المقبل الموافق لذكري ميلاد كاتب الأطفال العالمي هانز اندرسون يبدأ الاحتفال باليوم العالمي لكتاب الطفل تحت شعار بانتظارك كتاب.. فاكتشفه وذلك بعد أن طوق العالم لعام كامل شعار أنا العالم الذي صممه الفنان المصري هاني المصري وصور فيه طفلة تجلس علي الكرة الأرضية وتطل علي الأهرامات. ومنذ تاريخ بدء احتفالية اليوم العالمي لكتاب الاطفال في عام1967, جرت العادة أن تقوم الدول الاعضاء بالمجلس الدولي لكتاب النشء بطرح مبادراتها الخاصة في هذا اليوم لغرس حب القراءة في نفوس الصغار, ولفت انتباههم للكتاب وللعوالم التي يفتحها أمامهم. وفي هذا الاطار أعلنت انجلترا وايرلندا مبادرة لهذا العام تحت عنوان اقرأ لمليون طفل يتم من خلالها طرح إحدي عشرة قصة للاطفال في المكتبات بسعر جنيه استرليني واحد( ما يعادل يورو ونصف يورو) وبث هذه القصص بأصوات الكتاب والفنانين للأطفال في المدارس والمكتبات العامة وإقامة احتفاليات يرتدي فيها الصغار ملابس الشخصيات القصصية المحببة لنفوسهم بهدف الخروج بالقراءة من حجرات الدرس. وأزعم أن هذه المبادرة وما يماثلها بقدر ما تستدعي من أعماق الذاكرة المقارنة بين احوال الكتاب والنشر في مصر فيما قبل وبعد مشروع القراءة للجميع واصدارات مكتبة الاسرة والمكتبات المتنقلة, بقدر ما تفرض علينا محاولة العثور علي اجابات للأسئلة التي سبق طرحها في أول هذه السطور والتعرف علي اتجاهات وميول القراءة في مصر. والحقيقة أنه بالرغم من أهمية موضوع تحديد اتجاهات القراءة في مصر, وأنه شغل عدد من الباحثين إلا أنه لايزال من الصعوبة بمكان العثور علي اجابات جامعة مانعة وموثقة احصائيا لكل الأسئلة, وبالتالي للوصول لصورة كاملة تكشف لنا أحوال القراءة والكتاب في كل بر مصر. في إطار ما سبق تتضح أهمية التقرير الذي صدر أخيرا عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تحت عنوان ماذا يقرأ المصريون والذي تضمن عددا من الحقائق المهمة عن عادات القراءة في مصر وما يقرأه الشباب. في البداية يعرض التقرير للمناخ العام الذي يؤثر في عملية القراءة ويحدده بالتعليم وبعدد المكتبات العامة. وفي هذا الصدد يشير إلي هبوط نسبة الأمية من39,4% في عام1996 الي29,7% في عام2008 وتضاعف اعداد الحاصلين علي درجات جامعية من5,7% في عام1996 إلي9,5% في2006 مع ملاحظة أن هذه الزيادة قابلها تراجع في مؤشر فاعلية العمليات التعليمية, لتنتقل مصر من المركز132 الذي احتلته عام2000 الي المركز136 في2007. كما يوضح التقرير ارتفاع عدد المكتبات من1257 مكتبة في2007 إلي1284 في2009 وارتفاع المكتبات المتخصصة في نفس الفترة من471 إلي492 مكتبة, وأن27% من هذه المكتبات تضم خمسمائة عنوان وأن21,3% من عينة المكتبات يتراوح عدد العناوين فيها بين2000 و5000 عنوان, وأن97% من المكتبات يضم كتبا باللغة العربية, و60% كتبا باللغة الفرنسية و25% منها باللغة الفرنسية و16% باللغة الألمانية. وقد كشف التقرير أن83% من الأسر المصرية لا تقرأ ما يكفي( وإن لم يحدد التقرير المعامل المحدد للكفاية!!) وقد جاءت إجابات عينة الدراسة التي اجراها مركز المعلومات مع كلية الآداب بجامعة القاهرة في2009 لتحدد أسباب ظاهرة عدم الاهتمام بعادة القراءة وممارستها بصورة منتظمة فيما يلي: فقد أشار72% إلي وجود أولويات أكثر أهمية بالنسبة للأسرة, ومثل معامل نقص الموارد المالية نسبة55,8% فيما مثل ضيق الوقت نسبة49,7% وارتفاع سعر الكتاب41,4%, والأمية16,1% وإرتفاع اسعار الاشتراك في المكتبات نسبة7,8% بينما حدد15,5% من العينة أسباب أخري. وقد أوضحت نفس الدراسة أن80% من العينة أكدوا أن أسرهم لا تقرأ سوي الكتب المدرسية, فيما أشار4% فقط من العينة إلي أنهم يقرأون كتبا متنوعة خارج نطاق الكتاب المقرر. وقد اتضح أن51% من فئة ال4% من حملة الدرجات الجامعية وأن اهتماماتهم تراوحت بين الكتب الدينية( بنسبة78%) والعلمية( بنسبة33,4%) والادبية بنسبة29,30% والسياسية بنسبة11% و4,4% لكتب الاطفال والقصص البوليسية. وفيما يخص عادة قراءة الصحف والمجلات فقد أوضحت ذات الدراسة أن76% من الأسر المصرية لاتقرأها علي الاطلاق مقابل7,1% فقط من العينة يقرأونها بصورة دورية, وأن معامل استمرارية قراءة الصحف والمجلات مرتبط بالمركز المالي للأسرة. كذلك فقد اتضح أن الأخبار السياسية تستحوذ علي اهتمام قراء الصحف والمجلات بنسبة63,2%, تليها مباشرة الاخبار الاقتصادية بنسبة60,3% والرياضية بنسبة61.1% ولم يوضح التقرير معدلات الاهتمام بالنسبة لباقي التخصصات. وفيما يخص اتجاهات القراءة بين النشء والشباب, فقد أكدت نسبة80% من عينة البحث ممن تتراوح أعمارهم بين السادسة والخامسة عشرة أنهم يحبون القراءة مقابل12.2% من العينة صرحوا بأنهم لا يحبون أن يقرأوا. وقد حدد الصغار أسباب إقبالهم علي القراءة فيما يلي:76,8% لقتل الوقت والتسلية و44.2% بهدف التعلم و45,6 للحصول علي مزيد من المعلومات المفيدة في المناهج الدراسية و7,5% لأسباب أخري. وعن معامل تفضيل واختيار الكتاب أوضحت نسبة85,2% من العينة أن الأولوية لموضوع الكتاب, فيما اختارت نسبة23% من العينة اسم الكاتب و21,3% الصور والرسوم. وعندما طبقت مجموعة البحث نفس معايير القياسات السابقة علي الشبان في الفئة العمرية بين15 و29 عاما, اتضح أن القراءة تحتل المركز الثالث في قائمة هوايات47,7% منهم حيث تسبقها الرياضة والاستماع للموسيقي, وأن معدل القراءة بين الفتيات أكبر منه بين الذكور(35% إناثا مقابل43% للذكور). كما أظهرت النتائج ان مدمني القراءة من الشباب يخصصون ساعتين وخمس عشرة دقيقة يوميا للقراءة وأن97% منهم يقرأون كتبا عربية مقابل2.2% للكتب الانجليزية. وعن الهدف من القراءة, حدد64,9% من العينة اكتساب الثقافة كسبب رئيسي, فيما أشار53,5% من العينة إلي التسلية وتمضية وقت الفراغ. وعن كيفية اختيار الشباب للكتب حددت نسبة89,9% الموضوع بينما اختار44% منهم اسم الكاتب و9,2% غلاف الكتاب و5,2% لونه, هذا بالاضافة لنسب أخري توضحها الجداول المرفقة. ولعل من بين النتائج الكاشفة التي قدمها هذا التقرير أن61% من النشء يستخدمون الانترنت في الالعاب, مقابل35,6% لمعرفة الاخبار والمعلومات. وبالرغم من أن التقرير الذي بين أيدينا لم يوضح عدد العينة المنتقاة لتطبيق الدراسة عليها ولا كيفية اختيارها واذا ما كانت تمثل الشرائح المجتمعية المختلفة في جميع محافظات مصر أم أنها اقتصرت علي العاصمة أو عواصم المحافظات, إلا أن صدور هذا التقرير من جهة بحجم مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء وبمشاركة كلية الآداب, يحتم علينا أن نأخذ هذه الأرقام بعين الاعتبار باعتبارها مؤشرات تستحق أن نتوقف أمامها, وأن يتأملها صناع القرار والأجهزة التنفيذية ليس فقط من منطلق ضخ دماء وأفكار جديدة في مشروع مكتبة الاسرة أو الاحتفالات الموسمية بالكتاب وبالقراءة, بل أيضا باعتبارها مؤشرا كاشفا لكثير من جوانب الحياة في مصر وكيفية استقاء المواطن للمعلومة وتكوين الرأي العام.. وأخيرا ومن وحي شعار هذا العام الذي صممته اسبانيا لليوم العالمي لكتاب الطفل والذي سيستمر معنا لمدة عام كامل.. ها نحن إزاء أكثر من كتاب.. فكم منا ومن أطفالنا سيحاول اكتشافه والعثور عليه؟! [email protected]