فى ورقته البحثية «الهويات الإفريقية المتعددة واللغة فى أدب غرب افريقيا» التى قدمها فى ملتقى القاهرة الدولى الثانى لتفاعل الثقافات الافريقية، تناول الباحث الإفريقى أوومانا اسيدو قضيه اللغة والهوية، التى ناقشها عدد من الكتاب الافارقة فى ورشة عمل عُقدت فى أكرا، عندما لاحظوا حالة التواصل مع الجمهور التى أحدثها استخدام كاتبة جنوب افريقيا زوميسوا وانر لكلمات محلية فى نصها ،مشيرا إلى أن تلك العبارات أضفت أصالة على النص. وخلص«اسيدو» فى نهاية بحثه إلى أن الأفارقة فى القرن الحادى والعشرين يكشفون عن تعددية فى الهوية ترتبط ارتباطا وثيقا باستخدامهم اللغة.. و لعل ما جاء فى ورقة باحث غانا «اسيدو» الذى ربط بين تسييد اللغة الانجليزية فى الأعمال الأدبية وتهميش اللغات المحلية الافريقية وبين شتات الهويات وصراعها أو تفاوضها المستمر مع قوى الهيمنة العالمية الذى يتجلى فى أعمال كتاب القارة السمراء، ما يدعم اطروحة الباحث التونسى د. محمود الزوادى التى عرضنا لها فى المنمنمة السابقة،عندما تناول الباحث مفهوم التخلف من منظور ثقافي، فربط بين ازدواجية اللغة وشل حركة التنمية. فى هذا السياق اعتبر الباحث التونسى تهميش اللغة الأم وتراجع الزاد المعرفى الذاتى فى العلوم التطبيقية والإنسانية فى مقابل الاعتماد على الزاد المعرفى الغربي، مع تهميش وإقصاء القيم الذاتية الأصيلة مظاهر للتخلف الثقافى ومن ثم أشكال التخلف التى تُعرف كَمياً.. ويرى د.الزوادى أن ملامح التخلف الثقافى تؤدى لحالة يطلق عليها التخلف النفسى تتجلى فى شكلين أولهما ظاهرة الشعور بمركب النقص لدى شعوب العالم الثالث إزاء المجتمعات الغربية ويتجلى بصورة واضحة فى بعض السلوكيات اللغوية، فى بعض المجتمعات العربية، إزاء استعمال اللغة العربية. فعلى سبيل المثال، لا تستعمل الأغلبية الساحقة من التونسيات والتونسيين حروفاً عربية لكتابة صكوكها المصرفية (البنكية) لشعورها خطأ أن كتابة هذه الأخيرة باللغة العربية رمز للتخلف. أما الشكل الثانى فيظهر فى اضطراب المنظومة القيمية الذى يؤدى للتنافر واضطراب السلوكيات وتشوش الفكر الذى يطلق عليه علماء الاجتماع المعاصرون الشخصية المضطربة (disorganized personality). ويفسر الباحث معنى الازدواجية اللغوية بأنه معرفة الشخص أو المجتمع للغتين: اللغة الأم (الوطنية) ولغة أجنبية. ويقول: «يُنتظر فى الظروف العادية أن يكون للغة الأم/الوطنية المكانة الأولى فى قلوب وعقول واستعمالات مواطنى المجتمع. فهذا الصنف من الازدواجية اللغوية الذى يطلق عليه الباحث «الازدواجية اللغوية اللوامة» يجعل الناس ومجتمعهم يغارون على لغتهم ويتحمسون للدفاع عنها، فيلوم بعضهم البعض على ندرة استخدامها فى أماكن العمل والمنتديات الاجتماعية وعدم احترام البعض لها. و فى هذا النوع يظهر حرص المجتمع وحماسه للحفاظ على مناعة اللغة الأم/الوطنية وتطورها ونموها من خلال توعية مجتمعية باللغة الوطنية كرمز وطنى يفوق فى قدسيته علم البلاد، والمطالبة بتبنّى سياسات لغوية تصون اللغة الأم/الوطنية من انتكاس مكانتها نفسياً واجتماعياً إلى المرتبة الثانية أو الثالثة بين أهلها وذويها. وفى المقابل، هناك صنف آخر من الازدواجية اللغوية يذهب فى الاتجاه المعاكس لما رأيناه فى الازدواجية اللغوية اللوامة ،ويُطلق الباحث عليه مصطلح الازدواجية اللغوية الأمارة. ويحدد الباحث سماتها فى تراجع مكانة اللغة الأم/الوطنية فى قلوب وعقول واستعمالات مزدوجات ومزدوجى اللغة. أى أن اللغة الأم/الوطنية لا تحتل المرتبة الأولى عند هؤلاء على المستوى العاطفى والنفسى وعلى المستوى الذهنى والفكرى وعلى مستوى الممارسة والاستعمال. وخلافاً لما يتَّصف به أصحاب الازدواجية اللغوية اللوامة، فإن أصحاب الازدواجية اللغوية الأمارة تجدهم غير متحمسين كثيراً للذود عن لغتهم الأم/الوطنية، وغير مبالين إزاء عدم استعمالها فى شئونهم الشخصية، و فى أسرهم واجتماعاتهم ومؤسساتهم. وفى سياق ما طرحه عالم الاجتماع يورجين هابرماس حول الرسائل التى تنقلها اللغة واعتبارها مفاتيح ضرورية لتحليل الثقافة، حيث إن الفرد يستخدمها ليرمز بها الى افكار المعانى التى تعكس ذاته، أظن أن الباحث التونسى د. محمود الزوادى قدم رؤية مهمة ربما تؤدى لفهم معان ومواقف كثيرا ما يصعب الاحاطة بها كاملة فى السياقات التقليدية. واخيرا فان مشكلات التخلف التى نواجهها وخطط التنمية التى لم تعد تحتمل تأجيلا تتطلب التماسا لإجابات غير تقليدية، وفى أكثر من حقل للمعرفة ، اظن أن اللغة احدها .. http://[email protected]