«إيش لم الشامى عل المغربي!!» قول دارج يستخدمه المصريون عندما يتفق مجموعة من البشر لا رابط بينهم أو تتلاقى مقدمات تبدو لا علاقة لها ببعضها البعض ولا بنتائج تفاعلها.. وإذا ما تجاوزنا عن الاعتبارات السياسية والجغرافية والقومية التى تؤكد ضرورة توحد الشامى والمغربى وتمسكنا بالمعنى اللفظى للعبارة الذى استمده المصرى القديم من طول الرحلة وبُعد المسافات للتعبير عن صعوبة التأثير والتأثر بين أشخاص أو عوامل متباعدة متنافرة سنكتشف أن التحليل الثقافى يثبت لَمْ الشامى على المغرَبى، وأن كثيرا من المقدمات غير المألوفة تؤدى لنتائج غير متوقعة، منها أن اللغة تؤثر سلبيا وإيجابيا فى تحقيق التنمية بمفهومها الواسع وتجاوز ثقافة التخلف.. فرغم أن التقدم و«التخلّف» مفردتان تنتميان بالدرجة الأولى لعالم السياسة والدبلوماسية والاقتصاد، يتم تداولهما لتوصيف الازدهار أو التراجع الاقتصادى والاجتماعى والصحّى والديمجرافى طبقا لمؤشرات كمية محددة، فإن بعض الدراسات التى تناولت الظاهرة من منظور البحث عن مؤشرات ثقافية لمنظومة التخلف كشفت عن الدور الذى تلعبه اللغة فى ترسيخ ثقافة التخلف والعجز عن الخروج من دائرتها الجهنمية.. وهنا نتوقف للحظة لنحاول تذكر عدد المرات التى استخدمنا فيها أو صكت آذاننا كلمة التخلف للتعبير عن السخط أو للزجر أو حتى لجلد الذات!!. فهل ما يجرى على ألسنتنا مجرد تكرار لفظى لا ندرك معناه أم لتأكيد حالة طبقا للمؤشرات المادية والاقتصادية أم أننا ندرك بالفطرة أن التخلف منظومة ثقافية لها مؤشراتها النفسية والسلوكية؟!. يشير عالم الاجتماع يورجين هابرماس فى دراساته حول التحليل الثقافى إلى أن أفعال الكلام تنقل رسائل ليس فقط عن البناء الشكلى للغة ولكن أيضا عن أنماط الثقافة التى تنظم التفكير والتفاعل الاجتماعي. فاللغة توفر المفاتيح الضرورية لتحليل الثقافة والأفكار والمعانى التى تعكس ذات الفرد. وفى دراسته القيمة «الازدواجية اللغوية والتخلف النفساني» يطرح التونسى د. محمود الزوادى أستاذ علم الاجتماع بجامعة تونس، اللغة كمؤشر للتخلف الثقافى والنفسي،موضحا أن أى فهم لعملية التنمية فى المجتمعات النامية يبقى قاصراً إن لم يأخذ بالحسبان البعد المعنوى المتمثل فى المستوى الثقافى والنفسى لشعوب العالم الثالث وانعكاساته على قضايا التنمية. يوضح د. الزوادى فى بداية ورقته البحثية أن الأكاديميين والدبلوماسيين والساسة قسموا العالم إلى عوالم يُطلِقون عليها تسميات مستمدَّة من معنى التقدم والتخلف. فهناك مجموعة «العالم الأول» التى تشمل أساساً المجتمعات الغربية الصناعية واليابان والعالم الثاني، الذى كان يُطلق على المجتمعات الاشتراكية الغربية بقيادة الاتحاد السوفيتى أما العالم الثالث، فهومصطلح أطلقه العالم الفرنسى ألفريد سوفى على المجتمعات المتخلفة، والتى تُسمّى أحياناً بالنامية وأخيرا تمت إضافة مجموعات أخرى سُمّيت بالعالم الرابع والخامس طبقاً لمدى تدهور الأوضاع ومرافق الحياة وانخفاض مستوى الدخل القومي. وغالباً ما تُسمّى الأمم المتّحدة هذه الفئة الجديدة من شعوب العالم بالمجتمعات الأكثر فقرا التى يوجد معظمها فى القارة السمراء. وطبقا للتعريف السابق يتم قياس التخلف بمؤشرات كمية تغفل التخلّف على المستوى الثقافى والنفسى لشعوب العالم الثالث، الذى يعتبره الباحث ظاهرة متعدّدة الرءوس منها المادي، كالأوضاع الاقتصادية وغيرها، ومنها غير المادى ومكوناته ثقافية نفسية. ويشير الباحث إلى أن الشخصية المتخلّفة ثقافياً ونفسياً يغلب عليها عامل عدم الثقة بالنفس واحتقار الذات ومن ثم، تضعف لديها الدوافع للإنجاز والتغلّب على صعاب التنمية. ويرى د. الزوادى أن الخروج من دائرة التخلّف، بمعناه العام، لا بدّ أن يشمل التخلّص أيضاً من عيوب التخلّف المعنوى والذى أطلق عليه «التخلّف الآخر» وعقده. وطبقا للباحث التونسى يتجلى التخلّف الثقافى والتخلّف النفسى فى ثلاثة مستويات أولها: تراجع استعمال لغة المجتمع الوطنية، وإقصاؤها من الاستعمال فى مجتمعات العالم الثالث والرابع وانتشار استخدام لغة أجنبية بدلا من اللغة الأم فى كثير من الميادين، مشيرا لمنافسة اللغة الفرنسية للغة العربية فى المغرب العربى أو إقصاء الإنجليزية للغة الضاد من الحضور فى المجتمعات العربية الخليجية.ويتجلى المستوى الثانى للتخلف الثقافى فى اعتماد مجتمعات الوطن العربى و دول العالم الثالث على الزاد المعرفى الغربى فى العلوم التطبيقية والإنسانية بينما يتجلى المستوى الثالث فى تشوش منظومة القيم إما بالتلاشى الكامل أو بدخولها فى صراع مع القيم الغربية الغازية وبالتالى تهميش وإقصاء القيم الأصيلة (الذاتية) والحّاملة لبشائر نهضة تلك المجتمعات. وللحديث بقية.. http://[email protected] لمزيد من مقالات سناء صليحة