قراءة مدققة يجب أن نقوم بها لحادث الكرنك الإرهابي، تبدأ بمسئوليات مضاعفة للإعلام وسائر مؤسسات صناعة الوعي، من رفع درجات اليقظة بين المصريين، والتخلص من طبائع الإهمال والتراخي واللامبالاة، فلولا الانتباه بالصدفة إلي ما صدر عن الإرهابيين من تصرفات غريبة، وبعد أن عبرت شحنات التدمير إلي داخل المعبد، لوقعت الكارثة!! نحتاج في لحظات فاصلة في مواجهة الجماعات والمخططات الإرهابية إلي أعلي درجات اليقظة، فكل خطوة نخطوها إلي الاستقرار وبناء الحاضر والمستقبل، ترفع سُعار وجنون الجماعات الإرهابية، وأداء التزاماتها لتنفيذ واستكمال المخططات الأمريكية والصهيونية التي يعملون لها بالوكالة، وتنهي أيضا أوهام التنظيم وجماعة الإخوان في استعادة الشرعية المزعومة، ما حدث من أخطاء ستفحص جيدا لا ينفي تحقيق إنجاز وإنقاذ يستحق التقرير لمن شاركوا فيه من شرطة ومدنيين، والانتباه إلي ما كشفته أحاديث أبناء الأقصر ومجموعة من محافظات الصعيد بعد الحادث الإرهابي عن استفحال وتمدد وسيطرة جماعات الفاشية الدينية بمختلف مسمياتها وادعاءاتها، ونشر فكرهم المتطرف واستقطابهم عناصر وأجيالا جديدة من الشباب.. الأحاديث والاعترافات والشكاوي تكشف عن غياب مخجل ومخل لمؤسسات وأدوار كان يجب أن تكون موجودة وحاضنة وراعية في هذه المناطق والمساحات الخطيرة في أطراف وجنوب وحدود مصر وقراها وسط ما يعشش هناك من وقائع حياة لا آدمية، وشديدة القسوة دعوة الاهتمام بالمناطق المتطرفة والحدود البعيدة نبهت إليها في أكثر من مقال وناديت علي واجبات وفروض جميع أشكال الرعاية الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية والثقافية لتعويض غاب وتقصير وتجريف وإهمال عشرات السنين.. شهادات وصرخات أبناء الصعيد أكدت أن أشكال النجدة العاجلة والإسعافات الأولية التي كان يجب أن تبدأ فورا بداية دولة 30/6 لم تحدث، وقصور وغياب المواجهات الفكرية، وأن السكان هناك، خاصة الشباب، يواجهون فراغات واسعة تعربد فيها جماعات وجمعيات وأحزاب متطرفة وإرهابية تريد إعادة استنساخ التجربة الكارثية التي مازلنا ندفع تكاليفها قتلا وتدميرا وإرهابا. وما يفرض إعادة التساؤل عن أدوار مؤسسات الدولة الشبابية والثقافية والاجتماعية، وعما كان يجب أن يبدأ تنفيذه من مشروعات تنموية واقتصادية صغيرة، بدلا من المشهد المؤلم باستقبال رمضان بكراتين غذائية ب 100 مليون جنيه من صندوق تحيا مصر.. ماذا إذا تضاعف المبلغ وكان نواة لمشروعات تصنيعية وتسويقية صغيرة لمنتجات كل قرية وتشغيل أبنائها؟! أين أدوار الأزهر والأوقاف وقوافل دعاة شباب جدد توفر لهم الوعي الوطني والسياسي والاجتماعي؟! قوافل دعاة الأزهر الذين يعدهم للطواف بمجموعة من الدول خارج مصر لا يقل عنهم أهمية قوافل من الدعاة أُحسن إعدادها، وتؤمن برسالتها ومهماتها في تبديد الظلام والظلم في صعيد وأطراف وحدود بلدهم.. دعوة إصلاح وتجديد الخطاب الديني من أهم مسئولياتها ونجاحاتها الحقيقية مواجهة وإنقاذ مصر وشبابها من التمادي والتمدد والانتشار الخفي والعلنى لفكر وجماعات وأحزاب تضمر عدم الانتماء، وعدم الاحترام لفكرة الوطن، وإن رفعت شعارات مخادعة كثيرة، وخطابات بلا جدوي للأسف ترفع علي منابر آلاف المساجد، بينما الواقع في متاهات بعيدة! علينا أن نواجه أنفسنا بشجاعة وأمانة، ونعالج المسافات الكبيرة بين إدارة أغلب محافظات مصر، وما يمتلئ به الواقع من مخاطر وتحديات،وهل تستطيع جماعات إرهابية وفاشية أن تواصل التمدد والتوغل إذا وحدت المواجهات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية والثقافية من مؤسسات كان أول واجباتها أن تدرك شروط الإدارة المطلوبة بعد ثورة عظيمة قام بها الشعب، وموروث تعس وأسود لعشرات السنين من الفساد والإفساد ثم ميراث أتعس لجماعة زرعت وجذرت الإرهاب، خاصة في سيناء والصعيد، وكلما وقعت جريمة إرهابية جديدة، وأحدثها ما تهدد معبد الكرنك يعيد تأكيد غياب أدوار مهمة لكثير من المؤسسات التنفيذية في الدولة والتي يغضبها أن يقال إن أداءها لم يذهب إلي المشكلات والتحديات الأخطر، ويستحيل معالجتها بأداء لا يرقي إلي مستوي ما تواجهه مصر الآن رغم التقدير لجهد وحراك المهندس محلب، ومجموعة معدودة من الوزراء، وإن ظلت المعالجات للأزمات التي تمتلئ بها المحافظات أمرا مختلفا!! علي سبيل المثال كانت دهشة رئيس مجلس الوزراء عما يحدث في معهد القلب هي التي تستدعي الدهشة.. دهشة لا تحدث إلا لمن لا يعرف أحوال المصريين ومعاناتهم، ودرجة تدهور الأوضاع في جميع مؤسسات الدولة، ولماذا يهرول المسئولون للعلاج في الخارج، ثم لماذا لا تفعل الحكومة بمطالبات انتشرت بمعالجة المسئولين في مستشفيات الشعب؟!! وإذا كان بالإمكان الهرولة لتكوين لجان للرقابة والمتابعة في المحافظات، واستدعاء الكبار في جميع المواقع ليتحملوا مسئوليات التغيير والتطوير، فلماذا انتظرنا انقضاء عام؟! وهل تم اختيار المحافظين في ضوء الصلاحية للمهمات المطلوبة منهم؟ وهل يقدمون قراءات علمية لأوضاع المحافظة وثرواتها البشرية والطبيعية؟ وهل يمدون جسورا حقيقية للتواصل مع مشكلات المواطنين كما طلبنا مرارا منهم.. في ا ليوم الأول للبريد الإلكتروني الذي أقام عليه الرئيس السيسي جسرا للتواصل مع شكاوي تلقي في اليوم الأول فقط 1500 رسالة.. رقم يعبر عن معاناة مؤلمة في وصول المواطن إلي المسئول!! وما هي وسائل وأشكال مقاومة شبكات الفساد؟! وهل تم توقيع عقوبات جادة وحقيقية علي عصابات التربح بإدارة المحليات؟! المباني التي تُهدم علي شواطئ النيل الآن.. هل أقيمت دون تصريحات بناء من المحليات؟! هل تم عقاب مسئول واحد؟! شركات المقاولات التي تستنزف أموال الشعب في مشروعات فاشلة لإقامة وتعبيد الطرق هل تم حسابها وإيقافها وتوقيع العقوبات المستحقة في إطار القانون بعد استرجاع حق الناس منها؟! من المسئول عن وضع سيارة ضخمة تقطع طريق مصر إسكندرية لإتمام الإصلاحات التي تجري عليه، وأليس هناك من الشروط الآمنة ما يضمن ألا يتحول الأمر إلي مصيدة موت أحدثها مقتل أربعة من الشباب.. أسرة طالب راحل قررت أن تضع الكارثة أمام القضاء حتي لا تتكرر المأساة، وحتي لا يفلت المسئول عنها من العقاب، هل صحيح أن الشركة التي تقوم بالإصلاح تنفذ المهمة منذ سنوات طويلة دون رقيب أو حساب؟ نزيف إنفاق وأرواح فقط؟!! خلال عام كامل ألم يكن بالإمكان عودة الحياة إلي جزء من المصانع المعطلة والوفاء بما تقطعه الوزارة من وعود للتشغيل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من القاعدة العمالية، والصناعات الوطنية، وفي المقدمة منها دواء الفقراء والبسطاء، وإنهاء المشكلات التي حولت النسبة التي كانت تغطيها هذه المصانع من 60% من احتياجات من لا يستطيعون دفع أسعار الدواء المستورد إلي 4%، وهل وضعت خطط لإقامة توازن يمنع تحقيق مصالح الاستيراد والاستثمار الأجنبي علي حساب المنتج والاستثمار الوطني؟! كما أن الألف ميل تبدأ بخطوة كما يقول المثل الصيني، فالموروث الكارثي لنظام حصاده الأول الفساد والإفساد، ولنظام حصاده بث ودس الإرهاب، كان يقتضي بدايات عاجلة وحاسمة وقوية، وعلي ذكر الصين لا أنسي مشهد مصور نقل من هناك لسيدة صينية تتقدم ثلاثة أو أربعة رجال يتقدمون لتنفيذ حكم الإعدام فيهم!! لماذا؟! السيدة صاحبة مصنع لإنتاج ألبان الأطفال والرجال من كبار مسئولي إدارة المصنع.. وعقوبة الإعدام توقع لأن الرقابة علي منتج المصنع اكتشفت في اللبن مادة قد.. قد.. قد وضعوا تحت قد ألف خط.. هذه المادة قد تتسبب في أضرار للأطفال الذين يشربون هذه الألبان!! بالمناسبة أيضا.. كيف لا يوجد في مصر مصنع لإنتاج ألبان الأطفال؟ هل هو من العبقريات الهندسية والتكنولوجية المستعصية؟ أم فروض الطاعة بمافيا الاستيراد؟! ثم ما هي الإجراءات الرادعة والعقوبات في إطار القانون علي مافيا الأسمدة القاتلة.. نموذج ما جاء في تحقيق مهم لصحيفة «البوابة» الجمعة 12/6، وسائر منتجات تدمير الإنسان والأرض والغذاء؟! لم يعد كافيا أن نباهي بالأعداد المتزايدة لمستشفيات أورام الأطفال الكبار.. علاج وتخفيف الأسباب لا يقل أهمية مع خالص التحية لجهاز حماية المواطن الهالك في الأغلب والأعم!! ما كان يحدث قبل الثورة كيف يستمر بعدها في ظل قيادة جادة ومخلصة في احترام الشعب.. ويجب أن يرتفع أداء مؤسسات الدولة إلي ما يحول هذا الاحترام إلي سياسات وإنجازات. لمزيد من مقالات سكينة فؤاد