يحاكم الرئيس الأسبق وبعض قيادات نظامه على بعض المبانى والقصور، أو باتهامات ضُيعت أدلتها كجرائم قتل المتظاهرين، ولا يحاسبون على أخطر وأكبر جرائمهم، وهى التدمير الاجتماعى والثقافى والاقتصادي، والإقصاء والتهميش والإفقار والتمزيق، وإهدار الحقوق الأصيلة فى العدالة والوعى لأهم ما امتلكت مصر وهو البشر، وما ارتكب فى أسوان مثال دام وموجع، خاصة عندما يحدث فى آخر موقع فى مصر كان يمكن أن يشهد هذا القدر من العنف والدماء وانتهاك حرمة الحياة والموت، وأتفق مع بعض ما ذهبت إليه كتابات مهمة فى تحليل الوقائع المشينة، وفى انتظار نتائج التحقيقات التى يجب أن تقوم إجابات تضيء وتكشف ما وراء ما حدث وما أثير عن تقصير أجهزة مسئولة، وعن شخصيات ضالعة فى حماية تجارة السلاح والمخدرات هناك!! ولماذا تأخر تدخل الأمن قبل أن تتسع دوائر الدم والموت والثأر!! وأدوار جميع الشركاء الذين تركوا المشهد الحزين والبائس يصل إلى ما وصل إليه، ولن يكون مقبولا العودة للإحالة إلى الطرف الثالث أو الخفي!! ويظل السؤال المهم: هل هناك خلاف حول حجم التدمير والتخريب الثقافى والاجتماعى والاقتصادى والإنسانى والتعليمى والصحى الذى حدث لعشرات الملايين من المصريين ولسنوات طويلة على أيدى النظام الأسبق، وبدلا من أن يستطيع المصريون بثورتهم أن يعدوا لإزالة آثار ومترتبات هذه الكوارث جاء النظام السابق ليضاعفها بشن حرب الإرهاب بأعضائه أو منظمات إرهابية بالوكالة، وللأسف يتمادى الخطر ويزداد بممارسات عناصر فاسدة تعشش فى كثير من أجهزة الدولة!! فى الوقت نفسه تغيب فيه الأدوار المسئولة والسباقة لكثير من مؤسسات الدولة، ولمسئولين يدركون حجم المخاطر والتهديدات، ولا يسعون لقراءات واتصال عميق مع ما حدث من تحولات إيجابية وسلبية لظروف وأبناء كل محافظة، وأولويات الاحتياجات، وعوامل الغضب والخطر الكامنة، ويمدون جسورا حقيقية من الثقة مع المواطنين، وكأنه يكفى أن تتحول أجهزة الدولة إلى عربات مطافئ تظهر بعد اشتعال النيران، أو بعد أن تأتى الحرائق على كل ما على الأرض، ولا تدرك أن عليها أن تسبق اندلاع النيران، وأن تملك كفاءة إدراكها ومنعها قبل اشتعالها، وفى لحظات، وكما حدث فى أسوان رغم ما تردد عن توافر عوامل الغضب والتوتر منذ سنوات طويلة!! فإذا كان النظام قبل الثورة لا يبالى ولا يعنيه الإنسان، بل يعنيه ما يبقيه مقهور وتابعا وداخل قبضة السلطة وخدامها، فماذا بعد ثورته على نظامين فى أقل من ثلاث سنوات، وهل تحتمل مصر وسط التحديات والمخاطر التى تخطط لها أن تترك الفرص لاستغلال أوجاع وآلام أبنائها لخدمة مخططات ومؤامرات أعداء بلادهم؟!! وهل تظل المحليات بعيدة عن التحام حقيقى وجاد جوهره احترام المواطن، ومعرفة وفهم التركيبة السكانية والجغرافية والتاريخية والثقافية لكل محافظة وأبنائها، وما خرب منها، وما استجد عليها. لقد حاولت فى جانب من أداء مهمتى داخل الرئاسة فى أثناء المرحلة الانتقالية التى تستكمل مرحلتها الثانية والأهم بانتخابات الرئاسة، أن أقيم جسور تواصل تصنعها قوافل من شباب متطوع فى أنحاء كثير من المحافظات، ونجحوا فى وضع أيديهم على كثير من مواقع وأسباب الألم، ومع أبناء المحافظة، وبدعم من بعض المحافظين نجحوا فى حملات توعية، وفى مواجهة جماعية لبعض المشكلات المجتمعية، وإنهاء مشكلات ثأر بين عائلات، ويعدون لحملة شبابية تحمل عنوان »حملة قرية نظيفة«، لكنها بدايات تحتاج إلى إطار تنظيمى يؤمن بأهمية، وضرورة التكامل بين طاقات وأفكار الشباب ومؤسسات الدولة كنواة لمشروع قومى لقراءات ميدانية لجميع المتغيرات الإيجابية والسلبية على خريطة مصر، وجمع شمل أبنائها، وحماية أطرافها، ومد جسور الاتصال الثقافى والاجتماعى والتنموى معهم، وعلاج ما دبر من جرائم إقصاء لإضعاف أو بتر أطراف الوادي، والشواهد ماثلة فيما حدث ويحدث فى سيناء، وزراعة جماعات العنف والإرهاب هناك، والمخططات التى كانت تجهز لمنطقة القناة، ونرجو أن تكشف التحقيقات فى أسوان، بين ما تكشف وتجيب عنه من أسئلة، ماذا كان يجهز لجنوب مصر الذى أثق أن النسيج الوطنى الواحد لأبنائها سيهزم المحاولات الآثمة للتقسيم والتفرقة، وكل ما لم تعرفه مصر مع غرباء وغزاة فما بالك مع أبنائها؟! الحصاد المر والأشواك والدم، وما ارتكب بحق المصريين من تجريف وإهدار ثقافى وحضارى واجتماعى وأخلاقى واقتصادى وبيئى وصحى يحتاج إلى قيادات تمتلك فكرا جديدا، وانتماء واحتراما حقيقيا للبشر، وتدرك أنه لابد من قراءات عميقة لتعارف أعمق، وتواصل أوثق بالمحافظات ومكونات ثرواتها البشرية والطبيعية، وعن نقاط الضعف التى يجب أن تعالج بحكمة وبرشد، ومناطق الألم التى يجب أن تحاط بدوائر الأمان، والمهددات التى طرأت، والمتاجرون بهذه التحولات. لماذا لا يكون فى كل محافظة مجلس إدارة من نسائها وشبابها وأبنائها الذين قدموا خدمات جليلة لها، ورموز من جميع أطياف سكانها، يشترط أن يكونوا شركاء أصلاء وفاعلين فى اتخاذ القرار داخل محافظاتهم؟ لقد أنهى دستور 2014 إعادة استنساخ سلطة وتسلط الحاكم الفرد، فإلى متى سيظل أبناء وبنات المحافظات غائبين عن مشاركة حقيقية فى إدارتها، والسبق فى إطفاء وحل المشكلات قبل اشتعالها ومحاولة حرق مصر بها. سلام على أهل الأصالة والقيم والأمان، ومن أعرف ومن لم أشرف بالتعرف إليه من قامات وطنية من كل الأجيال فى الصعيد، وفى أسوان، الذين أثق أنهم سيقدمون من أجل بلدهم واستقراره، والانتصار على مخططات كسر إرادتهم ودولتهم درسا ونموذجا فى الاستعلاء على جراحهم وآلامهم، وعلى تجار الفتنة والدماء. لمزيد من مقالات سكينة فؤاد