"الغباء" مرض بلا علاج، يستدعي تحجيم المصابين به، قدر الاستطاعة، للتقليل من آثارهم السيئة على البشرية، والدفع بالأذكياء إلى مواقعهم، التي يستمسكون بها، والدعاء إلى الله، أن يبعده، ويبعدهم عنا، وأن يكفينا شره، وشرهم. مما يقال: "الغباء جند من جنود الله".. دليل ذلك غباء "فرعون"، الذي اعتقد أن الله تعالى سيسمح له بعبور البحر والنجاة، بعدما أوحى إلى موسى أن يضرب بعصاه البحر، فانفلق، فنجا المؤمنون، بينما رجا فرعون النجاة كموسى، برغم أنه كان لا يسلم بنبوته، فكانت نهايته الغرق. وهكذا، فالغباء: تكرار الخطأ نفسه، بالأسلوب ذاته، مع انتظار نتائج مختلفة، وهو ما يفعله كثيرون! وفي المعاجم يعني: الخفاء، والغُبار أو الترابُ، الذي يُجْعَلُ فوق الشيء ليواريه. وغَبِيَ الدَّرْسَ: لَمْ يَسْتَوْعِبْه، وغَبِيَ الْحَلُّ عَنِه: خَفِيَ عَلَيْهِ، وغبِي الولدُ: ضعُف عقلُه، ولا يَغْبَى عليَّ: لا يخفى. والفعل: غبِيَ، يَغبَى، اغْبَ، غَبَاءً، وغَبَاوةً، فهو غَبِيّ. وفي موسوعة "ويكيبيديا"، الغباء: ضعف في الفهم، والتعلم، والشعور، لسبب فطري أو مكتسب. ويُعرف الغبي، أيضا، بالأحمق، والأبله، والمعتوه، والمغفل. الروائي الفرنسي جوستاف فلوبير حاول استقصاء الغباء البشري، فكرس سنواته الأخيرة لتجميع موسوعة عنه، إلا أنه توفي دون استكمالها، تاركا لنا تحذيره من "جمهورية الغباء"، و"قدرة الغباء على التحكم فينا"، مؤكدا أنه "لا حدود للغباء البشري"، فيما حذر آخرون من: "أذكياء يتَسمون بالغباء"! والغباء أنواع، فمنه الخُلقي، والعاطفي، والوظيفي، والسياسي، والأمني، والاقتصادي، والثقافي.. لكن أشد الغباء: البعد عن الله، ورفض شرعه، والرضا بالتقليد والتبعية، والميل إلى الطغيان، وأكل الحقوق، وكلها أمور تجلب الخراب للنفس، والدمار للوطن. لذلك قال ابن القيم: أغبى الناس من ضل في آخر سفره، وقد قارب المنزل. وقال محمد الغزالي: مِن السقوطِ أن يُسَخِّرَ المَرْءُ مواهبَه العظيمة من أجْلِ غايةٍ تافهة. وقال نيتشه: نسيان غاية المرء.. أكثر أشكال الغباء انتشارا. وحذرت أمثال الشعوب من الغباء، فقال المثل الألماني: من يكسر أسنانه بقشر اللوز نادرا ما يأكل لبه.. وقال الفيتنامي: خادم رجل ذكي خير من سيد خادم غبي.. أما المثل المنغولي فقال عن الغبي: قبل أن يرى الساقية.. شمر عن قدميه. وأخطر الغباء ما يتم صنعه بأيدينا، ثم إلحاق أذاه بنا. وهل هناك غباء أكثر من أن نستخدم مواردنا في تدمير ذواتنا؟ وأن نسمح لأغبيائنا بالتحكم فينا؟ وانظر حولك: كم أغبياء حولك، ومن فوقك! وتأمل: كم كنتَ غبيا في بعض أمورك، أو عندما منحتَ ثقتك لأغبياء؟ لذلك توقف فورا، وأعد تقويم أمرك، وراجع شريط عملك، وعد لذكائك، ولا تسمح للأغبياء، مجددا، بالتأثير السلبي فيك، وإفساد حياتك عليك.. فقد أفسدوها بما يكفي! [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد