المنظومة القضائية تحتاج إلى ثورة حقيقية للخروج بها من نفق بطء التقاضي، وتراكم آلاف القضايا التى اكتظت بها المحاكم ،ولعل البداية تكون بعاصفة تأتى على القوانين الإجرائية التى تحكم وتتحكم فى نظر الدعاوى المنظورة بدور العدالة، بعد أن أتت تلك القوانين من خريف العمر الذى أحنى ظهرها فوقفت عاجزة عن مواكبة تطورات العصر واختلاف شاكلته وهيئته فى الماضى والحاضر. وليس من المبالغة إذا قلنا إن بعض هذه القوانين العتيقة أصبح فى حكم الأثر الذى مر على وجوده عشرات السنين ، وأنها أصبحت سجينة توابيت موصدة .. وأسباب أخرى كثيرة تقف حائلا وسدا منيعا فى تحقيق حلم العدالة الناجزة منها قلة عدد القضاة الذين يجلسون على منصة الحكم قياسا بكم القضايا المتداولة بالمحاكم ، فضلا عن تعثر ميكنة المحاكم على مستوى الجمهورية بما يتيح تحقيق منظومة التقاضى الإلكترونى ، كذلك معاناة القضاة الذين يواجهون مشاكل جمة فى سبيل تحقيقهم العدالة المرجوة وما يتعرضون له أخيرا من ضربات إرهابية تستهدف حياتهم .. وفى أحد أضلاع الأزمة يظهر تردى وسوء حالة أبنية المحاكم التى شاخ بعضها بفعل عوامل الزمن ، أو تهدمت واحترقت بفعل الأيدى الآثمة للإرهاب التى أتت على 25 محكمة يحتاج معظمها للترميم أو إعادة البناء بينما يقدر تكلفته بمئات الملايين من الجنيهات، أو ما قد نلمسه من ضيق أروقة المحاكم وقاعاتها على القضاة والمتقاضين، فضلا عن ضرورة توفير تأمين حقيقى لهذه الأبنية من خلال إدارة متخصصة فى هذا الشأن ، وفى الأولوية توفير الحماية اللازمة للبشر أولا ثم الحجر وعثرات أخرى عديدة تواجه هذا الحلم لأن يصبح حقيقة ملموسة . تحديات العدالة الناجزة تواجه منظومة العدالة الناجزة حواجز منيعة فى سبيل تحقيقها منها عدد القضاة فى مصر وهو العنصر المهم فى المعادلة فهم نحو 18 ألف قاض فى مختلف الهيئات القضائية ،ولكن هذا العدد وسط تلال القضايا المتراكمة والمتداولة داخل المحاكم ، لا يسمن ولا يغنى من جوع ،والنتيجة الحتمية تأخر نظر القضايا ومد أمد التقاضى فيها ،لا سيما فى ظلة معوقات متصلة بإنجاز تلك القضايا والتى تحتاج أحيانا إلى تقارير بعض الجهات الفنية التابعة لأجهزة العدالة مثل مصلحة الخبراء ، أو الطب الشرعى والذى يجابه هو الآخر مشكلة كبيرة فى عدد العاملين بهذا القطاع وكذلك نقص الأجهزة والمعدات به ، وهذه المشكلة لها أثرها البالغ على بطء التقاضى وعلى الرغم من وجود تلك المشكلة فى كثير من الدول، إلا أنها تزداد تعقيدا فى مصر للحد الذى وصل معه نظر بعض الدعاوى أمام المحاكم لعقود طويلة من الزمن . أيضا تستند العدالة الناجزة على معول مهم، وهو تنقية القوانين الحاكمة من بعض المواد والنصوص التى قد تتناقض مع بعضها بعضا والتى تتسم بالجمود وعدم مواكبتها العصر نظرا لبقائها داخل "التوابيت" عشرات السنين ،و هو ما يعانى منه معظم القضاة فى عملهم اليومى فى نظر الدعاوى القضائية المطروحة أمامهم . ولذا فالأمر يحتاج نظرة إلى ميسرة فى تلك القوانين وتنقيحها وإجراء تعديلات على بعض نصوصها بما يتماشى وأحوالنا الراهنة ،فضلا عن سن حزمة تشريعات جديدة تخدم مفهوم العدالة الناجزة . الحماية المفقودة وحماية القضاة وتأمينهم من أهم الغايات التى فرضتها الظروف الراهنة للبلاد وما تشهده من عمليات إرهابية وحوادث تستهدف قتل القضاة واستهداف منازلهم باعتبارهم هم من يصدرون الأحكام القضائية التى تطول قادة وأتباع الجماعة الإرهابية وهو ما تجسد أخيرا فى الحادث الإرهابى بالعريش والذى راح ضحيته 3 من القضاة وسائق سيارتهم برصاص الغدر بعد صدور بعض الأحكام القضائية ضد متهمين من الجماعة، وحوادث أخرى تضفى أجواء غير مستقرة ومفعمة بموجات حادة من الترويع والترهيب ، الأمر الذى يفرز وضعا أمنيا صعبا يعانيه القضاة .. صحيح أنهم يؤمنون بقضاء الله وقدره ولا يخشون شيئا فى سبيل إعلاء كلمة العدل وإرساء مبادئه ولكنهم أيضا بشر ، فى حاجة إلى الشعور بالأمن والطمأنينة حتى نتيح لهم الفرصة فى إنجاز حوائج الناس ، وهذا الأمر يتطلب إنشاء إدارة للأمن القضائى أو شرطة قضائية يكون لها هيكلها الخاص ومنوط بها تأمين القضاة والمحاكم بما يسهم فى تحقيق العدالة الناجزة فى جو من الراحة المعنوية للقضاة. التقاضى الإلكتروني ويقتضى تحقيق العدالة الناجزة المضى فى مسارات متعددة جنبا إلى جنب حتى نمسك بجميع خيوط المنظومة القضائية ونحركها فى اتجاهها الصحيح ، وهذا الأمر يتطلب جهدا مضنيا ، وعلى رأس تلك التحديات ميكنة المحاكم وتحويل النظام الورقى بها إلى نظام إلكتروني تيسيرا على القضاة والمتقاضين فى إقامة الدعاوى من خلال ربط المحاكم بعضها ببعض إلكترونياً، فضلا عن تطبيق آلية التقاضى الإلكترونى بأن يقوم المتقاضى بإقامة الدعوى القضائية بطريقة إلكترونية بإرسال صحيفة الدعوى عبر البريد الإلكترونى على الموقع الإلكترونى المخصص لهذا الغرض، و نظر القضايا فى جميع مراحلها الكترونيا وصولا للحكم فيها .. ولكن تفعيل هذه التجربة على أرض الواقع يشوبه الكثير من الصعوبات ، ويحتاج إلى ميزانيات ضخمة وأموال طائلة للقضاء على بطء العدالة ،ودفعها للحاق بركب التطور كما هو الحال فى معظم البلدان المتقدمة قضائيا . أحكام تستغيث وما يأتى أيضا على طاولة التحديات مسألة عدم تنفيذ أحكام القضاء التى قد تكون صدرت بعد معاناة طويلة للمتقاضى فى ساحات المحاكم بدءا من إقامة الدعوى القضائية ومرورا بمراحل التقاضى بدرجاته المختلفة حتى الحصول على حكم فيها، الأمر الذى قد يستغرق سنوات وسنوات، ثم تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن و لا يستطيع المتقاضى تنفيذ الحكم النهائى الصادر لصالحه ، بسبب عقبات فى الإجراءات التنفيذية أو مماطلة الخصوم وحيل الدفاع ، بينما يجد المتقاضى نفسه عاجزا عن الوصول إلى حقه. . ويبقى أمام طريق العدالة الناجزة بحث الأسلوب الأمثل لحل هذه المشكلة ومد يد العون لتلك الأحكام القضائية لتنفيذها فى سهولة ويسر.