كتبت : ياسمين أسامة فرج: ' الإسلام'..' اليهود'..' الأمن'..' الانتخابات'.. كلمات تترد كثيرا الآن علي الساحة الفرنسية بعد حادثة الهجوم علي مدرسة يهودية في تولوز بجنوب فرنسا قبل عدة أيام. فقد كان لربط الحادثة بالتطرف الاسلامي انعكاسات كبيرة علي حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقررة في أواخر أبريل المقبل, وسط توقعات المحللين بأن يكون الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي, المرشح لفترة ولاية ثانية, ومارين لوبان مرشحة اليمين المتطرف, أكثر المستفيدين من الحادثة خاصة مع اعتمادهم في الآونة الاخيرة علي خطاب سياسي ارتكز علي النعرة القومية وشابهه الكثير من التعصب ضد الإسلام و المهاجرين باعتبارهم مصدرا للجريمة. كانت البداية عندما أطلق مجهول الرصاص علي مدرسة يهودية في تولوز ليقتل مدرسا و ثلاثة أطفال, ورغم أن التحقيقات الأولية أشارت إلي الاشتباه في جندي من حركة النازين الجدد المناهضة لليهود, إلا أنه وبعد ساعات تم الكشف عن هوية مرتكب الحادث وهو محمد مراح فرنسي من أصل جزائري والذي قال أنه مرتبط بتنظيم القاعدة وأنه نفذ جريمته بدافع الانتقام للأطفال الفلسطينيين. وقتل مراح بعد حصار استمر أكثر من03 ساعة لمنزله من قبل الشرطة الفرنسية. وكان مراح قد اعترف أيضا بأنه قتل ثلاثة جنود فرنسيين من أصل عربي في مدينة فرنسية أخري قبل اسبوع من هجومه علي المدرسة اليهودية.واهتمت الصحف العالمية بالحادث و تأثيراته علي الانتخابات الفرنسية, ونقلت عن محللين فرنسيين و دوليين قولهم إنه نظرا لكون الجاني مسلما فإن ذلك سيعزز من موقف أحزاب اليمين في حملتها الانتخابية, لا سيما اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان التي سبق وأن اعلنت رفضها لانتشار اللحوم الحلال التي تنتجها المجازر الاسلامية في باريس, وانتقادها لصلاة المسلمين في الشوارع ووصفها لها بأنهااحتلال للأرض. فقد نجت لوبان من هجمة عنيفة كان من الممكن أن تتعرض لها من قبل منافسيها اذا كان قد ثبتت صحة التحقيقات الأولية بتورط النازيين الجدد في الحادث. أما الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي, فيقول بعض المحللين إنه من أهم المستفيدين من واقعة تولوز خاصة وأن استطلاعا للرأي أجرته مؤسسة بي.في.إيه بعد الحادثة, أظهر ارتفاع شعبيته ونجاحه في تقليص الفارق بينه وبين مرشح الحزب الاشتراكي فرانسوا هولاند, حيث حصل ساركوزي علي82% بينما بقي هولاند متصدرا ب5,92%. كان لصعود ملف الأمن علي واجهة الحملة الانتخابية متفوقا علي الملف الاقتصادي و ازمة البطالة, تأثير كبير علي شعبية ساركوزي الذي ظهر أمام الفرنسيين بمظهر رجل الدولة القوي الذي تعامل بشكل حاسم و سريع مع تلك الجريمة, مع الوضع في الاعتبار أن ساركوزي كان وزيرا للداخلية لمدة أربع سنوات قبل توليه حكم البلاد عام7002, وهو ما يمنحه سمعة جيدة عندما يتعلق الأمر بالأوضاع الأمنية. كما أن ساركوزي نجح أيضا في اجتذاب أصوات اليمين المتطرف خلال حملته الانتخابيه بإعلانه الاعتزام وضع تشريعات لفرض مزيد من القيود علي المهاجرين و تصريحاته التي قالها مستاءا بأن فرنسا مليئة بالأجانب, بالإضافة إلي تعهده بخفض عدد المهاجرين الوافدين إلي البلاد إلي النصف. ولكن ثمة مشكلة من وجهة نظر بعض المراقبين تقف حائلا أمام تقدم ساركوزي, ألا وهي فشل الجهات الأمنية الفرنسية في الحيلولة دون وقوع هذه الجريمة, حيث أثارت الحادثة سؤالا مهما وهو: كيف تمكن شاب يخضع لمراقبة الجهات الأمنية الفرنسية أن يجمع ترسانة كبيرة من الأسلحة وأن يرتكب سبع جرائم في تسعة أيام؟ فوفقا للمعلومات التي أوردتها التقارير الصحفية, فإن محمد مراح توجه إلي رحلات إلي أفغانستان وباكستان وتلقي تدريبات في معسكرات للمتشددين, كما أنه شخص ذو سوابق قضائية لارتكابه عشرات الجنح واشتري كميات كبيرة من الاسلحة من الاموال التي حصل عليها من نشاطه الإجرامي, بالإضافة إلي أن السلطات الفرنسية كانت تعلم انتماء مراح إلي منظمة سلفية متشددة انضم إليها خلال فترة قضاها في السجن وكان يخضع للمراقبه. كل تلك المعلومات دفعت التيار الاشتراكي بزعامة المرشح الرئاسي فرنسوا هولاند إلي انتقاد ما وصفته بقصور أمني في مراقبة شخص بهذه الخطورة. ولم يكن المتنافسون علي انتزاع عرش الإليزيه وحدهم المستفيدون من حادثة تولوز بل إن إسرائيل برزت بشكل كبير منذ اليوم الاول للحادثة وكأنها الحامية الرئيسية لكل اليهود في العالم, وبدأت استغلال نبرة معاداة السامية وروج الاعلام الاسرائيلي لفكرة تعرض اليهود في كل مكان لخطر التطرف الاسلامي لاستدرار العطف العالمي تجاههم, وامتد الأمر أيضا إلي إثارة قضية يهود الشتات و الدعوة إلي هجرتهم إلي أرض المعاد, علي حد وصف القادة الإسرائيليين. وقد ظهر ذلك جليا في دفن قتلي الحادث الأربعة في إسرائيل رغم أنهم فرنسيو الجنسية, وهاهو أيضا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يقول تعليقا علي الحادث أن إسرائيل وجدت لتكون ملاذا لليهود المهددين بالخطر ولتشكل درعا للشعب اليهودي. كما كشف الحادث عن تواصل قوة وسيطرة اللوبي الصهيوني في أوروبا بعد الضجة التي أثارتها تصريحات مسئولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاترين أشتون عندما شبهت الهجوم علي المدرسة اليهودية بالهجوم علي أطفال غزة, حيث اقامت إسرائيل الدنيا و لم تقعدها و فتح القادة الإسرائيليون النار علي أشتون وطالبوها بالتراجع عن تصريحاتها, وما كان من أشتون سوي السمع والطاعة لتتراجع بعد ذلك عن تصريحاتها مؤكدة أن كلماتها تعرضت للتشوية.