بعد أن هدأت الأمور في أعقاب أول هجمات في فرنسا يشنها “إرهابي” نشأ في البلاد ويقول إنه ينتمي لتنظيم القاعدة، بدأ تأثير حوادث القتل التي نفذها محمد مراح ينعكس على الحملة الانتخابية الرئاسية في البلاد. وقبل أن يفتح مراح النار على الأطفال لدى وصولهم إلى فصلهم في مدرسة يهودية بمدينة تولوز الأسبوع الماضي، كان الرئيس الفرنسي الحالي الذي لا يحظى بشعبية يبذل جهودا حثيثة للتغلب على حالة النفور واسعة النطاق التي يواجهها، والتي دفعت الناخبين إلى تأييد المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند. وعلى الرغم من أن ساركوزي تفوق على هولاند في بعض استطلاعات الرأي حول توجهات الناخبين في الجولة الأولى من الانتخابات، إلا أن كافة الاستطلاعات أظهرت أن هولاند سيفوز بسهولة في حال خاض الاثنان جولة إعادة للانتخابات يوم السادس من مايو المقبل. غير أن ذلك يمكن أن يتغير بفعل أحداث تولوز، التي شهدت تحول ساركوزي سريعا من خوض الحملة الانتخابية إلى إدارة الأزمة، وهي مسألة يجيد التعامل معها. ففي غضون بضعة ساعات من الهجوم على المدرسة اليهودية، كان ساركوزي في مكان الحادث، وتعهد بمطاردة القاتل. وبعد يوم واحد، كان يجمع بين كبار رجال الدين المسلمين واليهود، داعيا إلى الوحدة الوطنية. علق ساركوزي حملته الانتخابية، وخصص موارد غير مسبوقة للبحث عن القاتل، وأصدر أمرا شخصيا للشرطة بالتدخل عندما حاصرت مراح في شقته ليلة الثلاثاء الماضي. في كل منعطف، كان ساركوزي يتعهد بأن الجمهورية الفرنسية لن يمكن أن تنكسر. وعندما تبين أن القاتل شاب من أصل جزائري يعاني من مشكلات ويعيش في منطقة سكنية – من النوع الذي وصفه ساركوزي ذات مرة بأنه “حثالة” – لم يلبث الرئيس الفرنسي أن سلك أسهل الطرق وأكثرها نجاحا، محذرا من وضع جميع المسلمين في قارب واحد. وبينما أظهرت استطلاعات الرأي تأييد 74% من الشعب الفرنسي لطريقة تعامل ساركوزي مع الأزمة، لم يستطع هولاند فعل شيء سوى التزام الصمت ومراقبة الموقف. وقال ساركوزي بحماس لصحيفة “لوموند” الفرنسية عقب مقتل المسلح على يد رجال الشرطة: “سأفوز، وسأقول لكم السبب... لقد صار هولاند عديم الجدوى. إنه عديم الجدوى، فهل تعون ذلك؟”. ومع عودته للحملة الانتخابية مجددا، سعى ساركوزي إلى تحويل تركيزه من الاقتصاد إلى الأمن، متهما الاشتراكيين ب”الحذلقة” و”التردد” عندما يتعلق الأمر بتشريع مكافحة الإرهاب. ويرى باسكال برينو، مدير الأبحاث السياسية بمعهد الاقتصاد والعلوم السياسية: “إن موضوع الهجمات (التي شهدتها فرنسا مؤخرا) يمنح نيكولا ساركوزي مصداقية قوية”، مشيرا إلى شهرة ساركوزي بصرامته في مواجهة الجريمة. بيد أن هولاند حاول أمس السبت وضع الكرة في ملعب ساركوزي. فقال المرشح الاشتراكي: “يجب أن تضمن الحكومة سلامة الشعب الفرنسي. تلك هي مهمتها. وفي هذا الصدد، ثمة تقدم يتعين إحرازه إذا نظرتم إلى تصاعد وتيرة العنف على مدار الأعوام الخمسة الماضية”. كذلك حاولت زعيمة حزب “الجبهة الوطنية” المناهض للهجرة الذي ينتمي لليمين المتشدد مارين لوبان، التي تراجعت في أحد استطلاعات الرأي الأسبوع الماضي إلى المركز الرابع، أن تستغل مأساة تولوز لصالحها. فقالت لوبان لقناة “بي.اف.ام تي.في” أمس السبت: “يجب أن يكون للفرنسيين متطلبات أكثر بكثير عندما يمنحون الجنسية الفرنسية. وإذا كان حزب الجبهة الوطنية في السلطة طوال هذه الأعوام الثلاثين الماضية، لما كان السيد مراح حصل على الجنسية الفرنسية”. وتشير “لوموند” إلى أنه من الأرجح أن تعود مأساة تولوز بالنفع على ساركوزي، الذي سيكون “قادرا، أكثر من أي وقت مضى”. وحثت الصحيفة المرشحين على التركيز على كيفية إنقاذ فرنسا من الأزمة الاقتصادية وألا يقعوا فريسة انفعال اللحظة .