لم تكد تمر ساعات على وزير الداخلية الفرنسي كلود غيان عن مقتل مرتكب الهجوم على المدرسة اليهودية محمد مراح إثر اقتحام الشرطة للشقة التي كان يتحصن بداخلها في مدينة تولوز، إلا وحذر كثيرون من أن فرنسا باتت مستهدفة بقوة من قبل تنظيم القاعدة أكثر من أي وقت مضى. ففي 22 مارس، تبنت جماعة تابعة لتنظيم القاعدة أطلقت على نفسها اسم كتيبة "جند الخلافة" مسئولية الهجمات التي شنها الشاب الفرنسي من أصل جزائري محمد مراح في مونتوبان وتولوز في جنوب غرب فرنسا في 11 و 15 و 19 مارس وأسفرت عن مقتل سبعة أشخاص بينهم ثلاثة جنود فرنسيين وحاخام إسرائيلي وثلاثة أطفال يهود. وفي بيان لها نشرته مواقع إلكترونية جهادية، وحمل توقيع "سرية طارق بن زياد/ كتيبة جند الخلافة"، قالت الجماعة:" إنه في 19 مارس انطلق أحد فرسان الإسلام وهو أخونا يوسف الفرنسي" محمد مراح" نسأل الله أن يتقبله شهيدا، في عملية هزت أركان الصهيوصليبية في العالم كله وملأت قلوب أعداء الله رعباً". ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن بيان الجماعة القول أيضا:" نحن إذ نعلن مسئوليتنا عن هذه العمليات المباركة، فإننا نقول إن ما تقوم به إسرائيل من جرائم في حق أهلنا على أرض فلسطين الطاهرة، وفي غزة على وجه التحديد، لن يمر من دون عقاب". ودعت الجماعة، التي تبنت في السابق هجمات في كازاخستان وأفغانستان، في بيانها أيضا الحكومة الفرنسية إلى إعادة النظر في سياساتها تجاه المسلمين في العالم، وإلى التخلي عن نزعتها العدوانية ضد الإسلام وشريعته، لأن مثل هذه السياسة لن تجلب لها إلا الويل والدمار. وتوجه البيان لليهود بالقول :"لا يغرنكم ما أنتم عليه، فوالله أن لنا معكم للقاء نتشوق إليه أكثر مما نتشوق لأن تزف إلينا أجمل العرائس في هذه الدنيا، وموعدنا معكم قريب وسيهولكم ما تجدون من أمرنا بإذن الله". وجاء البيان السابق بعد ساعات من إعلان وزير الداخلية الفرنسي كلود غيان عن مقتل مراح إثر اقتحام الشرطة للشقة التي تحصن بداخلها في تولوز منذ الهجوم الذي نفذه على المدرسة اليهودية في المدينة في 19 مارس وأسفر عن مقتل حاخام إسرائيلي وثلاثة أطفال. ومن جانبها، أعلنت الشرطة الفرنسية أن مراح أبلغها خلال التفاوض معه قبل اقتحام الشقة التي كان بداخلها بأنه فخور جدا بأنه نجح في تركيع فرنسا، مؤكدا أنه ينتمي لتنظيم القاعدة وأنه كان يخطط لهجمات أخرى غير التي قام بتنفيذها في تولوز في 11 مارس وأسفرت عن مقتل جندي فرنسي وفي مونتوبان في 15 مارس وأسفرت عن مقتل جنديين فرنسيين والهجوم أمام المدرسة اليهودية في تولوز أيضا في 19 مارس والذي أدى إلى مقتل حاخام إسرائيلي وولديه وطفلة أخرى. ورغم أن تنظيم القاعدة كان توعد منذ العام الماضي بالانتقام من فرنسا على خلفية إصدارها قانون حظر النقاب وقام بالفعل باختطاف رهائن فرنسيين في مالي والنيجر، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها بشن سلسلة هجمات متتالية داخل الأراضي الفرنسية. بل وهناك من رجح أن المواجهة بين فرنسا والقاعدة باتت مفتوحة على كافة الاحتمالات، خاصة بعد تصاعد التصريحات العنصرية ضد الإسلام والمسلمين على خلفية حادثة المدرسة اليهودية. ففي 22 مارس، اتهمت مرشحة اليمين المتطرف للرئاسة الفرنسية مارين لوبان حكومة الرئيس نيكولا ساركوزي بترك الضواحي الفقيرة لمن سمتهم "المتطرفين الإسلاميين". ونقلت إذاعة "فرانس إنفو" عن لوبان، التي تولت قيادة حزب الجبهة الوطنية المعادي للهجرة خلفا لأبيها جان ماري لوبان العام الماضي، القول:"أقول هذا منذ عشر سنوات، هناك أحياء كاملة تحت سيطرة المتطرفين الإسلاميين، وأقولها اليوم ثانية إنه يجري التهوين من شأن هذا الخطر". وأضافت"الحقيقة التي تتكشف أمام الشعب الفرنسي هي أن السلطة اشترت السلام المدني والاجتماعي في عدد من الأحياء، وكان الثمن تطور شبكات المتطرفين". واتهمت لوبان، التي تحتل المركز الثالث في استطلاعات الرأي حول انتخابات الرئاسة الفرنسية المقبلة، المخابرات الفرنسية بالفشل في تعقب محمد مراح على الرغم من تعرضه للاعتقال عدة مرات وتفاخره بالعمل لحساب القاعدة، قائلة :"كان عليهم أن يراقبوا تنامي هذه الفاشية الخضراء في بلادنا، عدد المتطرفين الإسلاميين في فرنسا يقدر بالآلاف". ورغم أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي شدد على عدم الخلط بين "الإسلام" والإرهاب وأنه لا صلة لمسلمي فرنسا بالدوافع المجنونة لمنفذ هجمات تولوز، إلا أنه أعلن عن إجراءات عقابية قد تضاعف الاستياء بين أفراد الجالية المسلمة وتوفر أرضية خصبة لانتشار أفكار القاعدة خاصة بين سكان الضواحي المهمشين والذين يعانون من أوضاع معيشية صعبة. ففي خطاب ألقاه بعد قليل من انتهاء عملية الاقتحام التي قتل فيها مراح، أعلن ساركوزي عن إجراءات أمنية ستتخذها بلاده لمقاومة نشر "أفكار متطرفة" خاصة داخل السجون وعبر الإنترنت. وقال ساركوزي:" ستتم معاقبة كل شخص يتردد بشكل منتظم على مواقع إلكترونية تحفز على الإرهاب وتدعو للكراهية والعنف، كما سيتم التصدي لأية أفكار أصولية متطرفة منتشرة في السجون الفرنسية". وبالنظر إلى أنه تعيش في فرنسا التي يبلغ عدد سكانها 65 مليونا أكبر جالية مسلمة وأكبر جالية يهودية في أوروبا، حيث يصل عدد الجالية الإسلامية إلى نحو خمسة ملايين، في حين يبلغ عدد الجالية اليهودية أكثر من 600 ألف، فقد حذر كثيرون من أن تسابق مرشحي الرئاسة الفرنسية على كسب أصوات اليمين المتطرف عبر تصعيد حملاتهم العنصرية ضد الإسلام والمسلمين من شأنه أن يدخل هذا البلد الأوروبي في دوامة من العنف، خاصة أنه بات فيما يبدو على قائمة أولويات تنظيم القاعدة.