يحاول الرئيس عبدالفتاح السيسى جاهدا انقاذ الأحزاب «والنفخ» فيها، وضخ الدماء فى شرايينها من خلال اللقاءات والاجتماعات وحثهم على تنحية الخلافات لعل وعسى أن تفيق من غيبوبتها وتستعد للانتخابات البرلمانية المقبلة، غير أن الأحزاب تعانى الترهل والضبابية، وللأسف فإن معظمها أحزاب ورقية ليست لها أى قيمة فعلية فى الشارع. يوم الأربعاء الماضى التقى الرئيس الدفعة الأولى من الأحزاب، وأكد لهم أن مؤسسة الرئاسة تقف على مسافة متساوية من جميع القوى السياسية دون انحياز، ومبديا استعداده التام لمساندة ودعم قائمة موحدة لجميع الأحزاب والقوى السياسية التى ستشارك فى الانتخابات البرلمانية المقبلة والتى أشار الرئيس إلى اعتزام الدولة إجراء تلك الانتخابات قبل نهاية العام الحالي. مشاغل الرئيس الاقتصادية والأمنية والخارجية لم تشغله عن الاهتمام بتفاصيل الحياة الحزبية والتدخل بشكل شخصى لرأب الصدع فى بعضها كما حدث أخيرا حينما تدخل لحل أزمة حزب الوفد وجمع أطرافه المتصارعة وطالبهم بوحدة الصف والانتصار لمبادئ الوفد وتاريخه الوطنى الناصع بعيدا عن الصراعات الشخصية فى محاولة لإنقاذ حزب الوفد وانتشاله من دوامة التشرذم والانقسام التى يحاول البعض من داخله وخارجه إشعالها نتيجة الحسابات الضيقة وضيق الأفق. الأحزاب فى مصر تعانى أزمة كبري، والبداية تأتى من عدد الأحزاب الذى يقترب من التسعين حزبا فى حين أن عدد الاحزاب المؤثرة لا يزيد على أصابع اليد الواحدة، وحتى تلك الاحزاب فان تأثيرها محدود على الأرض ولاتملك من النفوذ ما يؤهلها لتحقيق الأغلبية فى أى انتخابات. أزمة الأحزاب تعود إلى الضربة القاصمة التى تلقتها بعد قيام ثورة يوليو 1952 حينما ألغى الرئيس جمال عبدالناصر الأحزاب، وأمم الحياة الحزبية والسياسية لتتحول مصر كلها إلى الاتحاد القومي، ثم الاتحاد الاشتراكي، حتى جاء الرئيس الراحل أنور السادات وأصدر دستور 1971 ، وأقر النظام الحزبى من خلال المنابر ثم الأحزاب، إلا أنها كانت أحزابا بطعم الاتحاد الاشتراكى فورث حزب مصر الاتحاد الاشتراكي، وفى نهاية عصر السادات ورث الحزب الوطنى حزب مصر ليستمر نظام الحزب الواحد إلا قليلا فى عصر الرئيس الأسبق مبارك من خلال السماح للأحزاب أن تمارس دورا هامشيا إلى جوار الحزب الوطنى، وفى إطار من الحركة المحسوبة والمتفق عليها، ومن يخرج عن السياق فإن التضييق والحصار كفيلان بوقف نموه كما حدث فى حزب الوفد برئاسة المرحوم فؤاد سراج الدين، والتجمع برئاسة خالد محيى الدين، والعمل برئاسة المرحوم ابراهيم شكري. كانت هذه الاحزاب فتية وقوية فى بدايتها إلا التضييق عليها جعلها تدخل الحظيرة مرة أخرى لتظل مصر أسيرة لنظام الحزب الواحد فعليا. الآن الرئيس عبدالفتاح السيسى يريد أن تتجاوز الأحزاب ذلك المأزق اللعين، وأن تبنى الأحزاب نفسها من جديد، ولكن الأزمة لاتزال كامنة فى عقلية قادة الأحزاب، فهم لا يريدون إلا مصالحهم الشخصية، وكل منهم لا يرى إلا نفسه ومصالحه ودونه الطوفان، ولو أن قادة الأحزاب ينظرون إلى الصالح العام لتكتلوا فى كيانات قوية متشابهة بعيدا عن التشرذم والانقسام، ويكفى أن يكون لدينا خمسة احزاب قوية على أكثر تقدير، فالولايات المتحدةالامريكية أفضل دولة ديمقراطية فى العالم لا يوجد بها سوى حزبين كبيرين فقط هما الحزب الجمهورى والحزب الديمقراطي، ونفس الحال فى بريطانيا أعرق الديمقراطيات فإن المنافسة الحزبية بها تنحصر بين القطبين الكبيرين العمال والمحافظين، بالإضافة إلى حزب ثالث هو «الاحرار»، وفى الهند تلك الدولة الديمقراطية الناشئة والتى تتشابه مع ظروفنا يبلغ عدد الأحزاب المعترف بها هناك سبعة أحزاب فقط أبرزها حزبا بهارتيا جاناتا، والمؤتمر إضافة إلى خمسة أحزاب أخرى رغم أن عدد سكان الهند يبلغ مليارا و252 مليون نسمة، أى ضعف سكان مصر نحو 15 ضعفا. الإصلاح الحزبى لن يكون بقرار جمهورى وإنما بمبادرة ذاتية من الأحزاب للوحدة والاندماج فى 3 أو 4 تكتلات حزبية مدنية على أكثر تقدير ووقتها يكون هناك أمل فى التداول السلمى للسلطة بين الأحزاب فهل تستطيع الأحزاب أن تفعل ذلك؟ لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة