بمناسبة إطلاق' قاموس عشق مصر' المترجم من الفرنسية إلي العربية للكاتب والروائي المرموق كلود سوليه في السوق المصرية, ألقي سوليه سلسلة محاضرات بالمعهد الفرنسي بفرعيه بالقاهرة ومصر الجديدة وبالمركز القومي للترجمة وبقسم اللغة الفرنسية بجامعة القاهرة, وبين هذه المحاضرات كان حديثنا مع الأديب الفرنسي الذي ولد بالقاهرة وتعود أصوله لكل من لبنان وسوريا غادر مصر وهو لم يتجاوز السابعة عشر, لتبقي أرض مصر وشعبها مصدر إلهامه الأدبي وحنينه وعشقه وهو ما انعكس في رواياته وأبحاثه واهتماماته بتاريخ هذا البلد. يقول سوليه في كلمة عن القاموس وعن العشق اختص بها صفحة أدب: أنا كاتب صحفي وروائي ومؤرخ.. لأني أكتب عن مصر. ويضيف: فكرة القاموس ولدت بفرنسا ضمن مشروع قام به أدباء فرنسيون وأجانب يعالج كل منهم موضوعا قريبا إلي قلبه بحرية مطلقة, فاخترت أنا مصر, ولقد رأي قاموس عشق مصر النور في فرنسا منذ عشر سنوات واليوم تصدر ترجمته العربية. ولقد اخترت مائة وخمسين كلمة امتزجت بمصر, حيث ولدت بحي مصر الجديدة, وعشت طفولتي وجزءا من شبابي, ومن هذه الكلمات الأهرامات والفول المدمس وعبارات مثل' معلش' وغيرها. إن أول رواية لي هي الطربوش ونشرت عام1992, وهي كما هو واضح مستمدة من مصر. كتبتها بعد أن ظللت عشرين عاما عقب الرحيل إلي فرنسا لم أتحدث عن مصر التي أمضيت فيها أجمل أيام الشباب والطفولة, وتعلمت في مدارسها الفرنسية مثل الليسيه والجيزويت, وصارت مرقد أجدادي. وفي فرنسا درست الصحافة وانضممت إلي أسرة تحرير الموند في الثالثة والعشرين, وتقلبت في المناصب حتي توجت برئاسة التحرير, مرورا بالإشراف علي ملحقها الأدبي. كتابك الفرعون المخلوع أول كتاب يصدر في فرنسا عن الثورة المصرية, حدثنا عنه. في البداية خلال ثمانية عشرة يوما مجيدة انبهر الغرب بمظاهر الثورة الإيجابية وروح النقد والبعد المدني والانسجام الذي نشأ بين الشباب والشيوخ والأغنياء والفقراء والمسيحيين والمسلمين, وغياب الأيديولوجيات المتعصبة أو المناهضة للغرب. وبدا أن هذه الثورة تفجرت مطالبة بالحرية ومناهضة للتغريب, وانبهر جميع المراقبين بالربيع المصري, إلي أن مرت سنة اطلع خلالها المهتمون بالشأن المصري علي المصاعب التي تواجه المجتمع بأمراضه ومعاناته, وقضايا لم تحسم عادت إلي السطح, بمواجهات جديدة, طائفية أو غير طائفية, وعادات سلبية في التعامل مع السجناء والطلقاء, وبدا الوضع متناقضا مع بداية الثورة. وأنا أتابع عن قرب كل ما يحدث, وأعتقد أن يناير وفبراير2011 نتاج تاريخ سنوات تطور, والأمر ليس أبيض وأسود بالنسبة لي بل هو معقد للغاية. ألا تري أن ثورة25 يناير في يدايتها حملت في مظاهرها ما يذكر بمايو68 بفرنسا( ثورة الطلبة)؟ نعم. ولقد شدتنا الشعارات الخلاقة وروح الفكاهة والمدنية, وصور تنظيف الشوارع والمكانس والجرادل وانبهرنا بعصرية هذه الثورة وشباب الفيس بوك والإنترنت, واتسمت مصر بخفة الظل واختلطت صور النساء المحجبات بالنساء اللاتي ارتدين ال جينز, و أعجبنا بذلك وجاءت خيبة الأمل بعد ذلك بحجم الانبهار الأول. عكست جميع رواياتك ودراساتك اهتمامك بمصر.. حدثنا عن ذلك؟ منذ عشرين سنة أكتب عن مصر, فلدي خمس روايات: الطربوش, وعمود السواري, والمملوكة, ومزاج, وسهرة بالقاهرة وكلها تتناول حكاية عائلة واحدة تصورتها خلال روايتي الأولي الطربوش واختتمت الدائرة ب سهرة بالقاهرة, حيث تعيش امرأة وحدها ببيت العائلة تدعو كل شهر مجتمع المواطنة العالمية( الكوزوموبوليتانية), وهي من خصائص مصر: مصريين, مسلمين ومسيحين وأجانب. وخلال هذه السهرة يلتقي الروائي بشابة جامعية تتنبأ بما سوف يحدث خلال الأشهر القادمة, وأن الأمر لا يمكن أن يستمر وكل شئ سوف يتأرجح وينهار.. في سهر واحدة. (يري سوليه, ككل من كتب حرفا, أنه تنبأ في هذه الرواية بثورة25 يناير). ثم يستطرد: أما عمود السواري فإنني قد استلهمتها من حكاية جريدة حقيقية كانت تصدر بمصر من1867 إلي1869 وكانت ناطقة بالفرنسية, وكان مراسلها بالقاهرة في غاية الوقاحة خلال سرده للموقف السياسي الذي كان يمر به الخديو إسماعيل, واستعنت بهذه الجريدة لأنقل للقارئ قصة حفر قناة السويس والافتتاح لأنهيها عام1882 باحتلال إنجلترا لمصر. والمملوكة هي قصة رسامة تتزوج مصورا فاشلا وتحتقره ثم تصبح أهم مصورة للقاهرة بعد أن أدركت أن التصوير فن حقيقي. ومزاج هي الرواية الوحيدة التي تتخذ فرنسا مسرحا لأحداثها من خلال مصري سوف يصبح أقوي رجال باريس من خلال مزاجه: وهو تقديم الخدمات بدون أجر ليشكل أكبر حلقة معارف في فرنسا. أعتقد أن مصر في أعمالك كانت دائما هي مصر العلمانية؟ إن الشعب المصري منذ العصور الوسطي شعب متدين, وإنما بطبيعته لا يقبل التطرف وإدخال الدين في كل شيء. ولا ننسي أن مصر ظلت خلال قرن بأكمله البلد العظيم للمواطنة العالمية وبلدا مفتوحا علي العالم, وبرعت في التعايش بين الأديان والأصول والجنسيات المختلفة, ولقد تهافت عليها السوريون واللبنانيون واليونانيون والأرمن, والإيطاليون, وهذه هي العبقرية المصرية.. # وماذا عن الأدب المصري؟ لقد تقدم الأدب المصري علي السياسة وعلي المجتمع, وهذا هو دور الكتاب: أن يتوقعوا الأشياء قبل حدوثها. ولقد تمتع الأدب المصري بحرية مدهشة, فقد تصورت السلطة أن المواطنين لا يقرؤون الروايات, ولقد كان الكتاب سباقين ومستشرفين لتطورات المجتمع, وأذكر في هذا الصدد صنع الله إبراهيم والغيطاني وإبراهيم عبدالمجيد والأسواني وسلماوي, ونساء مثل سلوي بكر وأخريات, إضافة إلي عدد من المخرجين. ولا تنس أن كتب فيكتور هيجو وفولتير وروسو مهدت للثورة الفرنسية. كيف تقيم الحضور الثقافي الفرنسي في مصر؟ احتلت اللغة الفرنسية في مصر مكانة متميزة منذ القرن التاسع عشر, في بلد كانت تحتله انجلترا, إذ كانت الفرنسية لغة الصالونات والدبلوماسية, واستقرت المدارس الفرنسية بمصر قبل الانجليزية بفترة طويلة. ولقد اتجه الزعيم مصطفي كامل نحو فرنسا وذهب طه حسين إلي باريس يتعلم اللغة الفرنسية, وكذلك الحكيم... إلخ, وكان رفاعة الطهطاوي هو بداية وأساس كل ذلك, و إن أدباء مصريين لمعوا في الكتابة بالفرنسية مثل ألبير كوسيري الذي كان أستاذا في معرفة الشارع المصري والمقهي المصري, وأذكر أحمد راسم وواصف غالي.