إذا كانت وسائل الإعلام المختلفة قد أسهمت طوال الأيام الماضية في سرد رحلة البابا شنودة الثالث لخدمة دينه وشعبه ووطنه منذ نشأته الأولي فإن جانبا حيا ومثاليا وجماليا في رحلة الرجل لم يأخذ حقه من الإشارة والتلميح والتحليل والنقد ألا وهو الجانب الإبداعي والثقافي والفني بصفة عامة. ورغم التحاقه بقسم الفلسفةبكلية الآداب فإن معظم وقته كان يقضيه بقسم اللغة العربية ليتعلم فنون العروض الشعرية وعلوم النحو والصرف, ودراسة الأدب وتاريخه. ولكن روح التألق الشعري تأخذ نصيبها من نفس البابا ومن طبيعة تكوينه الأدبي والثقافي منذ منتصف الخمسينيات.. ليكتب في الشعر الروحاني والنسكي بصيغة ذاتية وجدانية تشعر المتلقي بأنه في دائرة روحانية خاصة... تحوم به بعيدا عن دنيا الوجود. وتحلق به في سماوات بعيدة, ويتميز البابا بصياغة القصيدة الطويلة التي تحتمل النفس الشعري الطويل وإن كان ينسجها علي بحور الشعر القصيرة والمجزوءة باعتبارها البحور التي تعكس روح المعني بصفة مباشرة بلا التواء ولا تعقيد, ومن أشهر ما كتبه البابا في تلك الفترة قوله في قصيدته المعروفة باسم( ترنيمة غريب): غريبا عشت في الدنيا.. نزيلا مثل آبائي غريبا في أساليبي.. وأفكاري وأهوائي وهنا تتبدي الغلبة للنزعة الذاتية في أدبه ونتاجه الشعري, وتستمر معه علي درجة من درجات الإتقان في وجهتي الموضوع والفن والبنية الشعرية المباشرة التي تتخلي كثيرا عن بعض سمات الفن الشعري كنزعة الخيال والتعبير بالصورة الفنية, وإن صادفتها في ترانيم كثيرة المشاعر الاعتزالية والنسكية والدرامية.. كقوله في قصيدة أخري: ورحت أجر ترحالي.. بعيدا عن ملاهيها خلي القلب لا أهفو. لشئ من أمانيها نزيه السمع لا أصغي.. إلي ضوضاء أهليها أطوف ها هنا وحدي.. سعيدا في بواديها وهكذا تستمر رحلته مع الشعر حتي بعد توليه منصب البابوية ورعاية الكنيسة الارثوذكسية. ومن آخر ما كتب البابا شنودة الثالث قوله: كسبت العمر لا جاه.. يشغلني ولا مال ولا بيت يعطلني.. ولا صحب ولا آل هنا في الدير آيات..تعزيني وأمثال هنا لا ترهب الرهبان.. قضبان وأغلال ومنذ منتصف التسعينيات يبدأ البابا في الإبداع في محور جديد من محاور الفن ألا وهو الإبداع الكتابي النثري, ونتمني أن نجد من يحرص علي جمع شعر الرجل خاصة وهو وفير ليكون نبراسا لعشاقه ومحبيه. د./ بهاء حسب الله كلية الآداب جامعة حلوان