لفت نظري وجهة نظر للكاتب الأمريكي المحافظ جاشوا مورافيتشيك عن الثورة المصرية حيث عقد مقارنة بين ثورة يناير المصرية والثورة البلشفية في روسيا. ورغم أنني لست من أنصار المشابهات التاريخية حيث يستحيل تطابق الظروف في معظم الأحوال, كما أنني لا أجد القول أن التاريخ يعيد نفسه من الأمور المقبولة عقلا, إلا أن المشابهة هذه المرة كان فيها قدر من الإثارة. والقصة كانت بدايتها في عام1903 عندما انقسم حزب العمل الديمقراطي الروسي إلي أقلية عرفت بالمناشفة بقيادة يوليوس مارتوف, وأغلبية عرفت بالبلاشفة تحت قيادة فلاديمير لينين. والأولون عرفوا بالبرجماتية, والآخرون عرفوا بالحلول الثورية والراديكالية. ورغم اتفاق الأغلبية والأكثرية علي الإطاحة بنظام الحكم القيصري, وتحقيق ما عرف بالبرجوازية الديمقراطية نتيجة التخلف الروسي, إلا أن كليهما سرعان ما ذهبا في اتجاهين متضادين أثناء ما عرف بالثورة الروسية في عام.1917 علاقة ذلك بالثورة المصرية هو أن المناشفة بدوا كما لو كانوا شباب الثورة حيث كان أغلبهم يميل نحو الليبرالية والسعي نحو دولة دستورية تقوم علي المواطنة والمساواة والحلول السلمية للمشكلات السياسية, ومن ثم انجذبوا نحو الحركات الديمقراطية الاشتراكية. البلاشفة علي العكس اعتقدوا بأن كل السلطة يجب أن تذهب إلي السوفيتات ومن ثم تحالفوا مع الاشتراكيون الثوريون. ولكن المناشفة كانت عقدتهم من النظام القيصري أكبر من سعيهم نحو إقامة الديمقراطية, ولذا فإنهم عندما جاءت لحظة انتخاب الجمعية التأسيسية لم يحصلوا إلا علي3.5% من الأصوات, بينما حصل البلاشفة علي25% والاشتراكيون الثوريون علي57%. كان أصحاب الاتجاه الأيديولوجي الواضح والذين كانوا علي استعداد للعنف والقضاء علي الخصوم من المناشفة والاشتراكيين الديمقراطيين في عام1921 هم الذين فازوا بالدولة في النهاية, علي الأقل لقرابة70 عاما, أما من مالوا إلي الليبرالية فقد كان نصيبهم الذوبان والضياع. هل كان ذلك هو ما جري في مصر أو يسود الظن أنه سوف يجري في النهاية, حيث لم يبق الكثيرون من ثوار التحرير الأوائل; وأصبحت ناصية الحكم في يد جماعة الإخوان والسلفيين؟ إجابتي أن الفارق كبير ولا يوجد ما يدعو إلي سوء الظن حتي ولو أبدي السلفيون أيديولوجية ترفض الدولة المصرية في أساسها الحديث, ولكن علامات التغيير أيضا واضحة ليس فيهم فقط, ولكن أيضا في الجماعات الإسلامية والجهادية. علي أي الأحوال لا يزال الطريق مفتوحا للمراجعة من قبل كل الأطراف لكي يجري الانفتاح علي المستقبل الذي لم يعد علي استعداد لتحمل تجارب أخري فاشلة. [email protected] المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد