لينين فجر الدكتور محمد البرادعي - رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية- قنبلة مدوية عندما أعلن نيته عدم الترشح للانتخابات الرئاسية، فالبرادعي الذي يعد أحد أهم الداعين إلي التغيير السياسي والاجتماعي في السنوات القليلة الماضية، وأحد من حرك مياه السياسة الراكدة. كان أحد وجوه الثورة والرمز الذي التف حوله الكثير من شباب الثورة خلال عام كامل قبل 25 يناير وطوال 2011م، بالمقابل تعرض الرجل إلي حملة تشويه من منصات الحزب الوطني في عدد من الصحف والفضائيات. البرادعي بعد إنسحابه من سباق الرئاسة أعاد وضع نفسه من جديد في قلب مشهد الثورة، وهو المكان الذي حرص عليه منذ عودته إلي القاهرة في مطلع عام 2010 بعد انتهاء فترة ولايته للوكالة الدولية للطاقة الذرية، حرص البرادعي علي مكانه بين الثوار قد يجعله أكثر حركة وتأثيرا في الأيام القادمة، خصوصا بعد أن طالب العشرات من الحركات والائتلافات الثورية والشبابية التي شاركت في جمعة "حلم الشهيد" الجمعة الماضية بميدان التحرير، البرادعي بقبول رئاسة حزب سياسي يمثل مظلة للقوي السياسية والثورية. البرادعي من خلال الفيديو الذي أعلن فيه انسحابه، شن هجوما قويا علي المجلس العسكري قائلا: "لقد خاضت سفينة الثورة طريقًا صعبًا تقاذفتها فيه أمواج عاتية وهي تعرف مرفأ النجاة جيدًا وتعرف طريقة الوصول إليه، ولكن الربان الذي تولّي قيادتها- دون اختيار من ركابها ودون خبرة له بالقيادة- أخذ يتخبَّط بها بين الأمواج دون بوصلة واضحة، ونحن نعرض عليه شتي أنواع المساعدة، وهو يأبَي إلا أن يمضي في الطريق القديم، وكأنَّ ثورة لم تقم، وكأن نظاما لم يسقط". وهو موقف يدلل علي أن الرجل مازال لديه الكثير. مسيرة البرادعي السياسية علي قصرها تجعل من التشابه بينه وبين الزعيم الروسي الكبير "لينين" قائد الثورة البلشفية 1917م، الشيء الكثير، فما بينهما كمشترك رغم اختلاف العصر والبلد والظروف، فكلاهما جرب الحياة خارج الوطن إن اضطرارا أو اختيارا، وتعرضا لحملة تشويه متعمدة من خصومهما السياسيين، كما نالتهما تهم التخوين وإدعاءات بالعمالة. وهما ممن ركب قطار الثورة متأخرا بعد مغادرته، وكلاهما كان يمثل مع أنصاره الصوت الأعلي ولكن الأقلية العديدة في بلدهما، وقادا الثورة لفترة إلا أن منافسيهما أطاحوا بهما إلي هامش المشهد لكنهما استطاعا العودة إلي الصدارة مجددا، كلاهما يعتمد علي كاتب يسانده، تروتسكي مع لينين وعلاء الأسواني- إبراهيم عيسي مع البرادعي. لينين (فلاديمير أوليانوف ولد في 22 أبريل 1870م) الذي بدأ حياته السياسية بتشكيل حزب سري عرف باسم "النضال في سبيل تحرير الطبقة العاملة"، وظل يتنقل بين المدن الروسية يدعو إلي تنظيم الإضرابات، إلا أنه وقع في يد الشرطة، ودخل لينين السجن الذي لبث فيه أربعة عشر شهرا، قبل أن يبلغ أنه سينقل إلي معتقلات سيبيريا ليقضي عقوبة ثلاث سنوات أخري، بعدها غادر البلاد إلي ألمانيا حيث قضي سنوات، لم ينقطع خلالها عن هموم الوطن، فأصدر العدد الأول من جريدة "أسكرا" الاشتراكية، وأثناء تجوال لينين مع زوجه في لندن التي قاما بالاختباء فيها لفترة جاءه شاب سيكون له شأن فيما بعد هو "تروتسكي" الذي أعجب به لينين وضمه لهيئة تحرير "أسكرا". إلا أن تيار لينين المعروف داخل الأوساط الاشتراكية ب"البلاشفة" تقلص نفوذه أمام تيار "المناشفة" المعارض. جاء الإنقاذ للينين الذي تحول في مطلع عام 1912 إلي زعيم بلا جماهير، عندما اندلعت الثورة الروسية في عام 1917م بعد فشل القيصر في معالجة الأزمة الاقتصادية والهزائم الساحقة أمام الجيوش الألمانية. فقد ركب "لينين" قطار العودة من سويسرا، وزوده الألمان بقطار مصفح حفاظا علي حياته، وفي منتصف أبريل من عام 1917م وبعد الإطاحة بعائلة القيصر ونجاح الثورة، وصل لينين إلي العاصمة الروسية آنذاك بطرجراد، وهو يحمل فكر البلاشفة لتكوين ديكتاتورية أقلية، واستطاع "لينين" بمواقفه المنحازة للجماهير في التسبب في مشاكل للحكومة الائتلافية المشكلة من الأحزاب القديمة وأحزاب ما بعد الثورة، ولم تجد الحكومة مخرجا إلا بالكشف عن ملف سري يكشف أن "لينين" ما هو إلا عميل ألماني، وهنا انقلبت المشاعر ضد لينين وطاردته، وهاجمت الجماهير الغاضبة مقر جريدة "البرافدا"، أما لينين فقد قرر الاختفاء في فنلنده خوفا علي حياته من الجماهير الغاضبة، التي وصمت البلاشفة وزعيمهم بالعملاء للألمان. رغم الإطاحة ب"لينين" إلا أن هذا لم يشكل إلا هزيمة مؤقتة له فقد استطاع تنظيم البلاشفة من خلال صديقه تروتسكي، وعاد لينين سرا إلي روسيا حيث بدأت القوات البلشفية الهجوم صوب المصالح الحكومية في يوم 7 أكتوبر فاستولوا علي محطات السكك الحديدية، وبنك الدولة ومحطة القوي الكهربائية، والجسور، ومصلحة التيلفونات، وسقطت العاصمة في يد البلاشفة وأعلن تروتسكي من خلال اللجنة العسكرية التي يرأسها إسقاط حكومة كيرنسكي، وتم إلقاء القبض علي الوزراء فيما كان كيرنسكي في الجبهة، وظهر لينين للمرة الأولي في مجلس سوفييت بطرجراد، الذي أجريت انتخابات أعضائه وفاز البلاشفة بالغالبية الساحقة، وتولي رئاسة الحكومة كامينيف، ووصل لينين إلي سدة الحكم، لتبدأ روسيا معه الحقبة السوفيتية التي وصلت فيها البلاد إلي مرتبة القوة العظمي. وصول لينين إلي حكم البلاد يبدو القطعة الناقصة في قصة البرادعي، ويبدو أن البرادعي قد أخذ هذه الخطوة بابتعاده عن سباق الرئاسة الذي يحرق الشخصيات تباعا، وانضم إلي الشارع ربما ليقود الموجة الثانية للثورة المصرية في الذكري الأولي لاندلاعها، فالكثير من أنصار البرادعي ومؤيديه هم من المشاركين في يوم 25 يناير إذا استطاعوا تحريك المشهد فالبرادعي قادم لا محالة. فمقولة لينين الشهيرة عما يسمي الحلقة الرئيسية التي يجب علي الزعيم السياسي ان يمسك بها ليجمع حلقات سلسلة العمل السياسي في يديه، وهذه المقولة تنطبق علي البرادعي الذي استطاع أن يجمع مختلف القوي السياسية في كيان واحد تحت اسم "الجمعية الوطنية للتغيير"، وانتظرت الكثير من القوي تحركات البرادعي بعد الثورة لتقيم موقفه وتنطلق منه سواء بالتأييد أو الرفض. الآن والبرادعي يبدو كقائد منتظر للموجة الثانية لثورة 25 يناير، يرتدي عباءة لينين.