ليس شيئا صغيرا، أن يخطئ اطباء هذا الزمان فى اداء عملهم ويموت المرضى بين ايديهم ، لأن هذا فعل فاضح ، فاضح لسمعة مهنة الطب التى طالما امتازت وتفاخرت بها مصر ، فكلما تسلمت تقريرا صحفيا من احد الزملاء يتحدث عن اخطاء الاطباء وغيابهم عن اداء عملهم فى مستشفيات المحافظات ، كنت أسال نفسى : هل اختلف طبيب اليوم عن طبيب زمان وماهو الفرق بينهما ، ولماذا كان الطبيب ما قبل الخمسينيات وحتى اواخر الثمانينيات يتمتع برقى وعطاء انسانى ذاخر؟ فى حين ان نسبة ملحوظة ومتزايدة بين مجتمع الاطباء تقول ان الطبيب قد صار شرسا مشغولا بجمع المال والثروة والتجارة والبزنس، ولو كانت البضاعة بشرا. ورحت اقلب فى اوراق الماضى والوثائق القديمة ، فلم أجد افضل من عهد محمد على من فترة ارجع اليها لكى اعقد هذه المقارنة واعرف كيف كانت اوصاف الطبيب زمان وماذا حدث له واصبح عليه ، وعندما اقول فترة محمد على لأنها الفترة التى شهدت نهضة حقيقية رفعت المدن المصرية الى مصاف المدن العالمية فى اوصافها وجمالها وانتاجها ولم تستطع اى فترة حكم اخرى حتى اللحظة ان تنافسها فيما تحقق من انجازات وتطوير شمل البشر والحجر ، فحسبما قال جمال حمدان «الوطنية المصرية بدات مع بداية اسرة محمد على» . والحقيقة أن قراءة متانية لقسم "أبقراط" قسم نقابة الاطباء حاليا وقسم الاطباء فى عهد محمد علي، تستطيع ان تلاحظ وبمنتهى السهولة أن هناك فرقا لا سيما في درجة التعامل والأمانة والرقي الانسانى، فقد نص عهد الاطباء في فترة حكم محمد على وبصراحة على ضرورة ان يكون الطبيب على درجة من الانسانية والالتزام بمساعدة الفقراء وعدم طلب اجرة منهم وشروط البر والصلاح والحفاظ على اسرار البيوت وألا يستعمل مهنته فى افساد الخصال الحميدة ، وهو بكل ببساطة ما تفتقده مهنة الطب اليوم حيث غلاء الاسعار فى الفحوصات والأشعة والتحاليل وحرمان المرضى الفقراء من دخول المستشفيات الاستثمارية أو الاقتراب منها أو حتى الحلم بها وكذلك تجارة وسرقة الاعضاء التى انتشرت دون وازع ولا ضمير ولا حساب، مما جعلها تضرب كافة ثوابت هذه المهنة الانسانية العظيمة. ولكن وددت ان اقول لك شيئا هاما عن بداية مهنة الطب فى مصر وكيف كان عصر محمد علي هو البداية الحقيقية لنشأة هذه المهنة، أرجوك إقرا على مهلك لانك ستندهش، عندما تعرف أن أول مدرسة للطب كانت في أبي زعبل سنه 1827 ميلادياً بوجود المستشفي العسكري والمدارس الحربية في تلك الضاحية، وأبو زعبل لمن لا يعرفون تاريخها ما هي الا قرية صغيرة كانت مشهورة بزراعة شجيرات القطن وسميت القرية بهذا الاسم لان كلمة "أبو زعبل" تعنى شجيرة القطن وليس كما يعتقد البعض الآن أنها قرية القهر والتعذيب والسجون لمجرد أن سجن أبو زعبل أنشئ هناك فيما بعد. أما مصدر الدهشة الكبري فهو أن أول طالب إلتحق بمدرسة الطب في ابو زعبل هو محمد علي البقلي باشا من قرية زاوية البقلي مركز تلا المنوفية سنة 1815 ليرسله محمد علي باشا بعد ذلك الي فرنسا في نوفمبر 1832 لإتقان علومه الطبية هناك ثم عاد ليتولى عمله في مستشفي القصر العيني بعد نقل مدرسة الطب من قرية أبو زعبل الي القاهرة وارتقي حتي صار أول رئيس لمستشفي القصر العيني ونال رتبة الباشاوية واستشهد في حرب مصر مع الحبشة في عهد المغفور له الخديوي اسماعيل باشا. وإذا أردت أن تعرف من هم أشهر الأطباء في عهد محمد علي باشا والي الخديوي اسماعيل دعني أذكر لك محمد الشباسي بك والذي يتردد أنه واحد من أبناء محافظة الغربية وأول طبيب لشركة قناة السويس، كذلك مصطفي النجدي بك أحد أبناء مركز ههيا والذي تعلم في مدارس مصرية ثم أرسله عباس باشا الي النمسا وعاد ليعينه طبيبا للجيش المصري، أيضاً محمد بكرى بك "بلديات محمد علي البقلي باشا" فهو من زاوية البقلي ووالد الدكتور أمين بدر بك مدير مصلحة خفر السواحل وكان طبيباً لهيئة السكة الحديد، ولا يمكن أن ننسي علي أفندي شوشة الكبير الذي ولد في قرية البساتين مركز الجيزة وتولى حكيمباشي مستشفي الجيش بالعباسية وهو والد محمد بك توفيق شوشة نقيب المحامين بأسيوط، ثم محمود ابراهيم بك من قرية الكدايه مركز الصف والذي تولى حكيمباشي نظارة المعارف العمومية، ومحمد فوزى بك ابن قرية منية المخلص مركز زفتي بمديرية الغربية وآخر الوظائف التي شغلها حكيمباشي قسم الجراحة مستشفي القصر العيني، وكان لمركز الفشن أيضاً عندما كان تابعاً لمدرية المنيا وقبل أن تنتقل تبعيته الي بني سويف نصيب من الأطباء المشاهير في عهد وهو محمد عبد السميع بك الذي تعلم في مدرسة القصر العيني وارسله سعيد باشا الي فرنسا حتى عين حكيمباشي لمستشفي القصر العيني وأطباء آخرون ذكرتهم صفحات من التاريخ دونتها ذاكرة مصر وهي المجلة التي تصدرها مكتبة الاسكندرية كل ثلاث شهور. أهم ما تضمنته وثيقة عهد الأطباء أقسم بالله العظيم ونبيه الكريم محمد صلي الله عليه وسلم علي أني أكون أميناً حريصاً علي شروط الشرف والبر والصلاح في تعاطي صناعة الطب وأن أسعف الفقراء مجاناً ولا أطلب أجرة تزيد علي أجرة عملي وأني إذا دخلت بيتاً فلا تنظر عيناى ماذا يحصل فيه ولا ينطق لساني بالأسرار التي يأتمنونى عليها ولا استعمل صناعتى في افساد الخصال الحميدة.