سبقت الشريعة الإسلامية جميع القوانين الحديثة فى تحريم المخدرات. وورد فى القرآن الكريم والحديث الشريف تحريم الخمر، ولكنه لم يرد فيهما تحريم أنواع مختلفة من المسكرات الجامدة (كالحشيش، والهيروين ) . وهو ما دفع البعض أخيرا إلى المطالبة بتقنين بعض أنواع المخدرات محاكاة لتجربة بلدان غربية فى ذلك، بحجة أن الدين لم يحرمها، فما حكم الشرع فى تعاطى هذه الأشياء؟ وعلى الرغم من أنه لم يرد فى القرآن الكريم ذكر صريح للمخدرات، فإن العلماء المسلمين استندوا فى التحريم على آيات عديدة، تفيد معانيها بتحريم المخدرات. ومعروف انه ورد ذكر الخمر فى القرآن، وهى حرام بنص الآيات الصريح، قال تعالى :( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ). سورة البقرة، الآية 219. وقال تعالي: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). سورة المائدة، الآية 90. وقال تعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِى الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ). سورة المائدة، الآية 91. أجمع علماء الدين أن الدعاوى التى أطلقت أخيرا بتقنين المخدرات دعوات مغرضة لهدم المجتمع وتهديد لأمن وسلامة البناء الاجتماعى للأسرة والمجتمع، مؤكدين أن تلك الدعاوى تصب فى مصلحة أعداء الوطن الذين يريدون لأبناء مصر أن يكونوا مغيبين حتى لا يشاركوا فى مسيرة البناء والنهوض. وطالبوا الجميع بضرورة التصدى لهؤلاء بدعوات العمل والبناء. وحذرت دار الإفتاء المصرية من الانسياق وراء تلك الدعاوى المغرضة التى تخالف تعاليم الشريعة الإسلامية وتسبب فى كثير من الكوارث الأخلاقية والمجتمعية والقانونية الخطيرة. ويقول الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتى الجمهورية، إن الشريعة الإسلامية جاءت من أجل عمارة الأرض والمحافظة على الضروريات اللازمة من أجل أن تكون حياة الإنسان الذى هو خليفة الله فى الأرض، حياة مستقرة وآمنة. وكل فعل قد يخل بمقاصد الشريعة أمر محرم ومذموم، ومن بين تلك الأفعال تناول المخدرات لما ثبت من إذهابها العقل الذى أمرنا الله سبحانه بحفظه، والذى يترتب على ضياعه الكثير من الموبقات، وتلك الدعوات الهدامة لا تصب إلا فى مصلحة أعداء الوطن، الذين يريدون لأبناء مصر أن يكونوا مغيبين حتى لا يشاركوا فى مسيرة البناء والنهوض بوطننا مصر، مشيرًا إلى أن تلك الدعوات يجب أن تواجه بدعوات تدعو إلى مكافحة المخدرات والقضاء التام عليها، ودعوات أخرى تحثهم على التعلم والعمل بتفان ليكونوا أعضاء فاعلين فى مجتمعهم. من جانبه أكد الدكتور احمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، أن المخدرات بكل أنواعها حرام ولا يجوز بأى حال من الأحوال أن ندعو إلى تقنينها لان ذلك مخالف لشرع الله حيث اتفق العلماء فى مختلف المذاهب الإسلامية على حرمة تناول القدر المؤثر على العقل من المواد والعقاقير المخدرة، فيحرم تعاطيها بأى وجه من الوجوه سواء كان بطريق الأكل أو الشراب أو التدخين أو الحقن بعد إذابتها ، أو بأى طريق كان، واعتبر العلماء ذلك كبيرة من كبائر الذنوب. والمخدرات تشكل خطراً واضحاً واعتداء سافراً وتهديداً قاطعاً لضروريات الشريعة الخمس: الدين والنفس والنسل والعقل والمال، فمتعاطى المخدرات لا يبالى بأحكام دينه، ولا يلتفت لواجبه نحو خالقه، فلا يحرص على طاعته، ولا يخشى معصيته، مما يترتب عليه فساد دينه وضياع آخرته. وحكم المخدرات حكم أم الخبائث لقوله تعالي:(يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) ومتعاطيها يرتكب كبيرة من الكبائر ويقام عليه الحد وهو الجلد. وتساءل إذا كنا نريد بناء مجتمع سليم وحياة آمنة فعلينا ألا نساق لمثل هذه الدعاوى الهدامة التى تريد إحداث خلل فى المجتمع. إنفاذ القانون وأوضح الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن بحوثا مستفيضة فى الأزهر بينت ضرر كل أنواع المخدرات وموقف الشرع منها, وقد انتهت هذه البحوث إلى أن تناول أنواع المخدرات حرام مقطوع بحرمته, لحديث أم سلمه رضى الله عنها أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نهى عن كل مسكر ومفتر). ويرى الدكتور إدريس أن سبب انكباب الناس على هذه المواد الواقع المحبط الذى يعيشونه, والذى إذا ما تغيرا نصلح حال الناس ووجدوا فى انكبابهم على أعمالهم بديلا عن الانكباب على تناول المخدرات, فينشأ بهذا مجتمع صالح قوى بدنيا وماليا واقتصاديا واجتماعيا. وأضاف: إن تلك الدعاوى التى أطلقها البعض ترجع إلى الفساد الضارب بأطنابه فى أوصال مؤسسات الدولة, الذى أفرز هذه الدعوة, بدءا من التهاون فى تطبيق القوانين, والتفرقة فى تطبيقها بين الناس, مع أن القانون ينص على عقوبة الجالب لها بالإعدام, وتجريم الاتجار بها منصوص عليه فى قوانين الدول الإسلامية جميعا, وحماية الناس شبابا وشيبا ذكورا وإناثا من مغبة تناول هذه المواد, يكون بتطبيق القانون بكل حزم على من يتناولها أو يتجر فيها, فضلا عن إنشاء مصحات لا تحصل على مقابل ممن يريدون التخلص من تأثيرها على أبدانهم, والمؤسسة الدينية فى الدولة وغيرها تحدثت عن أخطار هذه المواد وتأثيرها المدمر. أعظم الجهاد وفى سياق متصل يقول الدكتور احمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن مكافحة المسكرات والمخدرات من أعظم الجهاد فى سبيل الله. ومن أهم الواجبات التعاون بين أفراد المجتمع فى مكافحة ذلك لأن مكافحتها فى مصلحة الجميع ولأن فشوها ورواجها مضرة على الجميع. إن هناك قاعدة عامة مقررة فى شريعة الإسلام وهى انه لا يحل لمسلم أن يتناول من الأطعمة أو الأشربة شيئا يقتله بسرعة أو ببطء كالسم بأنواعه أو يضره ويؤذيه ولا أن يكثر من طعام أو شراب يمرض الإكثار منه فإن المسلم ليس ملك نفسه وإنما هو ملك دينه وأمته وحياته وصحته وماله ونعم الله كلها عليه وديعة عنده ولا يحل له التفريط فيها لقول الله تعالى . ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما . وقال . ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) وكل ما يضر فأكله أو شربه حرام وعلى هذه الحرمة أجمع فقهاء الإسلام الذين ظهر فى أزمنتهم هذه الخبائث حرام سواء سكر منها أم لم يسكر. وفى السياق ذاته قال الدكتور محمد إسماعيل البحيري، إمام وخطيب مسجد الزهراء بمدينة نصر، إذا كان حكم التشريع الإسلامى فى الخمر واضحا و لا يحتاج إلى بيان بالنص فمن البديهى أنه لما كانت المخدرات تحدث نفس الأثر الذى تحدثه المسكرات بل إن بعضها قد يترتب عليه نتائج أخطر مما يؤدى إليه إدمان المسكرات فإنها ستأخذ حتما حكم المسكرات، والدليل على تحريم الخمر، ما رواه أحمد فى مسنده عن أم سلمة رضى الله تعالى عنها أنها قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر و مفتر. والحديث يدل دلالة واضحة وصريحة على تحريم تناول المخدرات لأنه قد نهى عن تناول ما يورث الفتور و هو الخمور فيكون قد نهى عن تناول المخدرات و النهى عن تناول الشيء يدل على تحريمه. وقال إن فى تعاطى المخدرات ما ينافى مقتضى الشريعة فى المحافظة على الأصول و خاصة العقل و المال. وهكذا نجد الشريعة الإسلامية تحرم كل اتصال بالمخدرات كزراعتها و الاتجار بها. وأضاف أن كل مادة يثبت أنها تسكر أو تخدر أو تفتر العقل ينطبق عليها الحكم بالتحريم الذى قرره الفقهاء للحشيشة وغيرها من المخدرات، وهكذا يحرم شرعا المورفين والهيروين والكوكايين وهى كلها كما نعرف من مشتقات الأفيون. بالإضافة إلى أن التدخين أصبح احدى آفات هذا العصر وفاق ضرره المسكرات والمخدرات ولم يعد ضرره مقصورا على الفرد المدخن بل تعداه إلى المجتمع والاقتصاد فالشخص المدخن يضر بنفسه من الناحية الاقتصادية وذلك بصرف أمواله فى غير موضعها. وتساءل البحيري: أليس من الأفضل أن يوسع على أسرته بثمن الدخان؟ كما أن هذا الضرر ينتقل بالتالى للاقتصاد العام حيث يكلف المريض المدخن من الخدمات الصحية والمبالغ الطائلة الشيء الكثير فقد ثبت أن آخر سنوات من عمر المدخن تكلف من الخدمات الصحية عشرات الأضعاف التى يكلفها الشخص غير المدخن, كما أن المدخن يصاب بالعديد من الأمراض المزمنة.