رواية..

فى‬‮ «‬غربة ‬الياسمين‮»‬..‬ أين ‬الصبار ؟

كما ‬سبق ‬أن ‬استفادت ‬الدكتورة ‬خولة ‬حمدى ‬من ‬قصة ‬حقيقية ‬لغيرها ‬فأبدعت ‬أولى ‬رواياتها ‬‮«‬في ‬قلبي ‬أنثى ‬عبرية‮» ‬لتقدم ‬لنا ‬واحدة ‬من ‬أجمل ‬الروايات ‬العربية.. ‬
ها ‬هى ‬قد ‬استفادت ‬من ‬تجربتها ‬الشخصية- ‬من ‬خلال ‬حصولها ‬على ‬الماجستير ‬ثم ‬الدكتوراه ‬من ‬فرنسا- ‬وقدمت ‬روايتها ‬الثانية» ‬غربة ‬الياسمين‮‬.. «‬التى ‬صدرت ‬منذ ‬شهور ‬قليلة، ‬إلا ‬أن ‬غلافها ‬يحمل» ‬الطبعة ‬الثامنة‮».
الرواية ‬الجديدة ‬تقدم ‬الجانب ‬المضىء ‬للطلبة ‬العرب ‬الدارسين، ‬أو ‬العاملين ‬فى ‬فرنسا، ‬من ‬خلال ‬ثلاث ‬شخصيات ‬رئيسية ‬هى ‬‮«ياسمين‮» التونسية ‬التى ‬سافرت ‬لتقيم ‬مع ‬والدها ‬وأخويها ‬غير ‬الشقيقين ‬وتبحث ‬عن ‬جهة ‬تمول ‬رسالتها ‬للدكتوراه ‬فى ‬علم ‬الاجتماع، ‬و«رنيم‮» المحامية ‬المصرية ‬التى ‬هاجرت ‬للعمل ‬والبحث ‬عن ‬فارس ‬أحلامها ‬الغربى ‬ذى ‬العيون ‬الزرقاء ‬والبشرة ‬البيضاء، ‬بعد ‬أن ‬وجدت ‬أن ‬الرجل ‬المصرى ‬أو ‬العربى ‬لا ‬يستحقها، ‬و«عمر‮»‬ ‬الباحث ‬المغربى ‬الذى ‬يعمل ‬فى ‬شركة ‬كيماويات ‬ويعكف ‬على ‬بحث ‬علمى ‬جديد ‬فى ‬مجال ‬الطاقة.‬
ومن ‬خلال ‬هذه ‬الشخصيات، ‬نرى ‬طريقة ‬تعامل ‬المجتمع ‬الفرنسى )‬أو ‬الغربى( ‬مع ‬المهاجرين ‬العرب ‬أو ‬المسلمين ‬بكثير ‬من ‬العنصرية ‬أحيانا ‬والكراهية ‬أحيانا ‬أخرى، ‬حتى ‬أن ‬«ياسمين»‬ ‬تفشل ‬فى ‬الالتحاق ‬بأى ‬مؤسسة ‬للعمل ‬بها ‬لاستكمال ‬درجة ‬الدكتوراه ‬لتصميمها ‬على ‬ألا ‬تخلع ‬حجابها ‬او ‬‮»‬قطعة ‬القماش ‬التى ‬على ‬رأسها‮«‬ ‬كما ‬يقولون، ‬مما ‬يضطرها ‬فى ‬النهاية ‬الى ‬اللجوء ‬لوالدها ‬الذى ‬يدبر ‬لها ‬ذلك ‬بعلاقاته ‬الشخصية، ‬ومع ‬ذلك ‬تظل ‬النظرة ‬لها ‬دونية ‬لأنها ‬محجبة، ‬سواء ‬من ‬زملائها ‬فى ‬العمل ‬او ‬حتى ‬من ‬سائق ‬المترو. ‬بينما» ‬عمر»‬، ‬رغم ‬إبداعه ‬العملى، ‬فإنه ‬يقاوم ‬الاندماج ‬او ‬التآلف ‬مع ‬هذا ‬المجتمع، ‬فيرفض ‬أن ‬يشارك ‬فى ‬الاحتفالات ‬التى ‬تقدم ‬الخمور، ‬أو ‬إقامة ‬علاقة ‬مع ‬آخريات، ‬ويكرس ‬كل ‬قوته ‬لإبحاثه، ‬ليجد ‬نفسه ‬فى ‬نهاية ‬الأمر ‬وقد ‬ألصقت ‬به ‬تهمة ‬‮‬«الإرهاب‮».
المؤلفة ‬قدمت ‬لنا ‬بنجاح ‬ثلاثة ‬نماذج ‬‮«‬مشرقة‮»‬‬ للمهاجرين ‬العرب، ‬يمثلون ‬‮«‬غربة ‬الياسمين‮»‬، ‬لكنها ‬لم ‬تقدم ‬لنا ‬فى ‬الرواية ‬نموذجا ‬واحدا ‬ل ‬‮«‬غربة ‬الصبار‮»‬ ‬الذى ‬يسافر ‬الى ‬بلاد ‬الغرب ‬فيصيب ‬الناس ‬هناك ‬بأشواكه، ‬مما ‬يؤدى ‬الى ‬هذه ‬النظرة ‬العدائية ‬تجاهنا ‬كعرب ‬ومسلمين. ‬
أما ‬تكوين ‬الشخصيات ‬وترابطها ‬وعلاقتها ‬ببعضها ‬البعض، ‬فقد ‬كان ‬هناك ‬شىء ‬من ‬الافتعال ‬نوعا ‬ما، ‬فقد ‬يجمع ‬القدر ‬فتاتين ‬تقيمان ‬معا ‬ويقعان ‬فى ‬حب ‬شخص ‬واحد ‬بالتتابع، ‬ولكن ‬كون ‬الشاهد ‬المطلوب ‬لقضية ‬رنيم‮» ‬يكون ‬هو ‬«سامى ‬كلود‮«‬ «‬والد ‬«ياسمين‮»، ‬وكون ‬زميلها ‬فى ‬العمل ‬‮«‬باتريك»‮‬ ‬الذى ‬يضطهدها ‬يكون ‬هو ‬خال ‬أخويها ‬من ‬أبيها، ‬فكان ‬فيه ‬أكثر ‬مما ‬نقبله ‬من ‬القدر. ‬ثم ‬كيف ‬لكمال ‬عبد ‬القادر- ‬الذى ‬تنازل ‬عن ‬اسمه ‬وتزوج ‬من ‬فرنسية ‬وتسمى ‬باسم ‬عائلة ‬زوجته، ‬وأراد ‬الذوبان ‬فى ‬المجتمع ‬الفرنسى ‬كلية- ‬أن ‬يرفض ‬أن ‬يشرب ‬شقيق ‬زوجته ‬أو ‬أن ‬تكون ‬له ‬علاقة ‬بأخريات ‬ويطرده ‬من ‬منزله؟ ‬أليس ‬فى ‬ذلك ‬تناقض ‬كبير؟
وفى ‬قصة ‬حب ‬‮ «رنيم‮» ‬المحامية ‬لموكلها» ‬عمر‮‬.. «‬ إنها ‬قصة ‬محامية ‬تتوهم ‬أنها ‬تحب ‬موكلها ‬ومتهم ‬يتوهم ‬حب ‬محاميته. ‬إنه ‬حب ‬فى ‬خيالها ‬وخياله.. ‬ فكيف ‬إذن ‬تقترض ‬من ‬والدها ‬05 ‬ألف ‬يورو ‬لتهديها ‬له ‬ليجرى ‬عملية ‬تجميل؟
ومع ‬ذلك ‬فالدكتورة ‬خولة ‬حمدى ‬تحمل ‬كاميرا ‬فى ‬قلمها ‬يستطيع ‬أن ‬يصور ‬انفعالات ‬وأحاسيس ‬أبطالها ‬بسهولة ‬ويسر، ‬وسوف ‬تشدك ‬أحداث ‬الرواية.. ‬وإن ‬كانت ‬فى ‬حاجة ‬الى ‬تقليل ‬«عبرات‮»‬ ‬أبطالها ‬التى» ‬تسح»‬ ‬أكثر ‬من ‬المعتاد. ‬ويبقى ‬أن ‬النهاية ‬المفتوحة ‬للرواية ‬رائعة، ‬فالقارئ ‬سيظل ‬على ‬أمل ‬أن ‬ينبت ‬الياسمين ‬بالرغم ‬من ‬الغربة.‬
الكتاب: ‬غربة ‬الياسمين) ‬رواية(‬
المؤلفة: ‬د.‬خولة ‬حمدى
الناشر: ‬كيان ‬للنشر ‬والتوزيع ‬2015 ‬