كان قرار الإدارة الأمريكية فى بداية أبريل باستئناف إرسال أنظمة التسليح الثقيلة لمصر فى إطار المساعدات العسكرية إيذانا بتحول موقف واشنطن من القاهرة. حيث قررت تسليم كل الأسلحة المجمدة و هى 12 طائرة إف 16 و 20 صاروخ هاربون و قطع خاصة ب 125 دبابة أبرامز، بالإضافة الي إستئناف منح كامل المساعدات العسكرية المقررة لمصر و التى تبلغ 1.3 مليار دولار سنويا. و كانت الولاياتالمتحدة أعلنت فى أكتوبر 2013 تجميد جزء من المساعدات العسكرية، خاصة أنظمة التسليح الثقيلة بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، ثم عادت و قررت فى أكتوبر 2014 إلغاء تجميد جزء من تلك المساعدات، و هى عشر طائرات هليكوبتر أباتشى، بغرض إستخدامها فى قتال الجماعات الإرهابية فى سيناء. و أعلنت واشنطن وقتها إستثناء الأسلحة المستخدمة فى مواجهة الإرهاب و حماية الحدود من قرار التجميد، بهدف منع تهريب السلاح و تسلل الإرهابيين. و الواقع ان سياسة الإدارة الأمريكية تجاه مصر تميزت فى ذلك الوقت بقدر كبير من التخبط و التردد و إنعدام الرؤية الكلية و سيادة النظرة الجزئية. فبينما كانت وزارتا الخارجية و الدفاع مقتنعتان بضرورة تحسين العلاقات مع مصر و إستئناف المساعدات العسكرية بالكامل و تدفعان إدارة الرئيس باراك أوباما فى هذا الإتجاه، فقد تطلب الأمر أشهرا عديدة لكى تتغلب الإدارة على ترددها و تقرر إلغاء التجميد و إستئناف كامل المساعدات العسكرية لمصر. و ليس بخاف ان القرار الأمريكى يستجيب لجملة من الأسباب و الدوافع، أهمها تنامى خطر الإرهاب فى العالم العربي و مصر بما يهدد شعوبه و دوله و يهدد الإستقرار في المنطقة و هو ماتسعى واشنطن لتفاديه. و كان لقيام مصر بدور أساسى فى مكافحة الإرهاب فى العالم العربي سواء فى سيناء أو ليبيا، من خلال توجيه ضربات عسكرية للعناصر المتطرفة بالتنسيق مع الجيش الليبي، أو للحفاظ على الإستقرار و منع تمدد نفوذ إيران فى اليمن من خلال تكوين قوة عسكرية عربية مشتركة، عاملين حاسمين فى قرار الولاياتالمتحدة بإستئناف مساعداتها العسكرية فواشنطن تنظر لمصر فى هذا الإطار كعامل إستقرار فى المنطقة يعفيها من التدخل العسكرى المباشر فى مناطق النزاع. فمن المعلوم أن سياسة الرئيس أوباما تقوم منذ وصوله للسلطة فى يناير 2009 على تجنب التدخل العسكرى المباشر فى الشرق الأوسط أو فى غيره من مناطق النزاع فى العالم، و ذلك تجنبا لإهدار الموارد و كرد فعل عكسى لسياسات سلفه جورج بوش الكارثية. و لذلك كان من أهدافه الأساسية سحب الجيش الأمريكى من العراق و أفغانستان، و هو ما تحقق فى العراق برغم التأجيل لعام كامل، و لكنه لم يتحقق بعد فى أفغانستان بسبب تدهور الموقف و عدم قدرة الجيش الأفغانى على الإمساك بزمام الأمور فى مواجهة حركة طالبان المتشددة. و نرى ذلك اليوم فى عدم رغبة واشنطن فى التورط المباشر من جديد فى العراق لمواجهة تنظيم داعش المتطرف برغم قيادتها لتحالف دولى يقوم بتوجيه ضربات جوية للتنظيم الإرهابى، تاركة مهمة القتال على الأرض للجيش العراقى مدعوما بميليشيات شيعية تقودها إيران بصفة أساسية. و هذا هو الحال كذلك فى اليمن، حيث تركت واشنطن للقوة العربية المشتركة المهمة الأساسية فى دحر الحوثيين و إكتفت بتقديم دعم مخابراتى و لوجستى. إن القرار الأمريكى بإستئناف كامل المساعدات العسكرية يرجع أيضا لرغبة واشنطن فى عدم فقدان الحليف المصرى فى لحظة فارقة من تاريخ العالم العربى و لتفادى خسارة صفقات عسكرية هامة لصالح منافسيها فى سوق السلاح العالمى. فالأسلحة الثقيلة التى تم تجميدها كانت ترمز إلى العلاقة الخاصة و الشراكة الإستراتيجية التى ربطت مصر بالولاياتالمتحدة منذ توقيع إتفاقية كامب ديفيد فى 1978 و معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فى 1979. و كان تجميد ذلك المكون الهام يعنى بقدر كبير تحول طبيعة تلك العلاقة الإستراتيجية. و ليس أدل على ذلك من توجه مصر خلال الأشهر الأخيرة لدول مثل روسيا و فرنسا من أجل الحصول على البديل من خلال توقيع صفقات سلاح كبرى. فقد تم بالفعل في فبراير الماضى إبرام صفقة لتوريد 24 طائرة مقاتلة فرنسية من طراز رافال بقيمة 5.5 مليار دولار، كما تتفاوض مصر مع روسيا حول صفقة أسلحة متقدمة بقيمة 3.3 مليار دولار. إلا أنه ينبغى إدراك أن قرار واشنطن بإلغاء تجميد المعدات الثقيلة و إستئناف كامل المساعدات العسكرية يتضمن بعدا أخر يصب فى إتجاه معاكس و هو وقف العمل بدءا من عام 2018 بالبند الذى كان يتيح لمصر التعاقد على صفقات كبيرة لشراء الأسلحة الأمريكية الثقيلة على أن يتم تمويلها بشروط ميسرة من المساعدات العسكرية فى السنوات اللاحقة. و يعنى ذلك البند تقليل قدرة مصر على الحصول على تلك النوعية من الأسلحة المتطورة كالطائرات المقاتلة و الدبابات. و يعكس الأمر تبدل أولويات الولاياتالمتحدة و تغير رؤيتها لإستخدامات السلاح المقدم لمصر من خلال المساعدات العسكرية و التى تتركز حاليا فى مكافحة الإرهاب و تأمين الحدود و سلامة الممرات البحرية كقناة السويس. و لا يحتاج تنفيذ تلك المهام، بحسب رؤية واشنطن، للإسلحة الثقيلة التى تستخدم فى الحروب التقليدية و إنما لأسلحة خفيفة و "ذكية". يعنى ما تقدم أن الشراكة الإستراتيجية أو العلاقة الخاصة بين مصر و الولاياتالمتحدة لم تعد كسابق عهدها و من غير المنتظر أن تعود لسابق عهدها، على الأقل خلال الفترة المتبقية من حكم الرئيس أوباما التى تنتهى فى نوفمبر 2016. و لابد من إنتظار الرئيس الأمريكى القادم الذى سيتولى مهام منصبه فى يناير 2017 حتى يتضح ما إذا كانت الولاياتالمتحدة ستنتهج سياسة جديدة تجاه مصر. لمزيد من مقالات د. هشام مراد