يأتي ملف الإرهاب بطبيعة الحال علي رأس جدول أعمال القمة "المصرية - الإسبانية" بالعاصمة مدريد، لاسيما مناقشة سبل تعزيز التعاون والتنسيق المشترك بين البلدين في إطار مواجهة خطر تمدده محليا وإقليميا ودوليا. ويعد موقف إسبانيا واضحا وثابتا من الإرهاب منذ أحداث 11مارس 2004، والتي خلفت نحو 191قتيلا وجرح ألف و755 آخرين في محطات قطارات أتوشا بمدريد. فقد جاءت الأحداث بمنزلة علامة فارقة في تاريخ تعاطي الحكومة الإسبانية مع القضايا الدولية، لاسيما علي صعيد السياسة الخارجية الإسبانية، خاصة فيما يتعلق بالحرب الأمريكية علي العراق وموقف إسبانيا من التحالف الدولي، والسياسة الأمنية الأوروبية. كذلك التوجهات الإسبانية الجديدة تجاه العالمين العربي والإسلامي في ظل الحكومة الاشتراكية الجديدة وقتها بزعامة خوزيه رودريجيز ثاباتيرو (16 أبريل2004-21 ديسمبر2011). فقد تبني ثاباتيرو سياسة خارجية مستقلة لإسبانيا غير تابعة للولايات المتحدة، بل متوجهة نحو أوروبا أكثر، وداعمة للتوجهات الأمنية للاتحاد الأوروبي. وقد أكد هذا انتقاداته اللاذعة لكل من الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير بشأن الحرب علي العراق ومطالبته لهما بإجراء نوع من النقد الذاتي لتصرفاتهما حيال العراق، مشيرا إلي أن الحرب ضد الإرهاب بصفة عامة لا علاقة لها بالعراق، وهو ما يدحض الدعوة التي تبناها بوش وبلير واعتبرا فيها أن الحرب علي العراق هي الخط الأمامي للحرب ضد الإرهاب. أما علي الصعيد الأوروبي، فقد دعمت الأحداث من توجه إسبانيا نحو الدعوة إلي زيادة التنسيق الأمني بين دول الاتحاد الأوروبي لمنع وقوع هجمات مماثلة، خاصة في بريطانيا وإيطاليا اللتين شملتهما تهديدات "القاعدة" علي أثر موقفيهما من الاحتلال الأمريكي للعراق. وقد شملت تلك الإجراءات الجديدة إيجاد نوع من التنسيق والتعاون بين أجهزة المخابرات في الدول الأوروبية مع تفعيل أكثر إيجابية لإجراءات الأمن الداخلي من خلال عقد سلسلة من الاجتماعات الأمنية الطارئة لبحث سبل تطوير التعاون الأمني الأوروبي، وإنشاء جهاز مفوضية أوروبية لمكافحة تهديدات الإرهاب، إلي جانب تفهم ومعالجة الأسباب الكامنة وراء أعمال العنف والإرهاب علي مستوي العالم لما تفرزه من انعكاسات شديدة التأثير علي المجتمعات الأوروبية التي تحوي دولها العديد من العرقيات والديانات والحضارات بما يعني ضرورة إيجاد حلول فعلية للنزاعات السياسية في مناطق وبؤر الصراعات ذات الارتباط الوثيق بالدول الأوروبية، وفي مقدمتها الصراع العربي الإسرائيلي. وعلي منوال حكومة ثاباتيرو جاءت حكومة ماريانو راخوي (21 ديسمبر2011 وحتي الآن)، ففي الوقت الذي اعترف فيه خورخي فرنانديز وزير الداخلية الإسباني مؤخرا بأن ما لا يقل عن 115مواطنا إسبانيا غادروا البلاد منذ بداية عام الجاري للانضمام للجماعات الإرهابية في العراق وسوريا، فإن فرنانديز أكد كذلك أن "بلاده ترغب في أن تكون رائدة في مجال مكافحة الإرهاب والوفاء بمسئولياتها علي المستويين الوطني والدولي". فعلي المستوي الداخلي، اعتقلت السلطات الإسبانية نحو 556 شخصا علي الأقل منذ عام 2004 وحتي الآن في إطار 122عملية لمكافحة الإرهاب علي مستوي البلاد، منهم 44 شخصا يشتبه بصلاتهم بالجماعات الإرهابية خلال الأشهر الأربعة الأولي من هذا العام فقط. أما علي الصعيد الأوروبي، فقد دعمت إسبانيا إجراءات الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب عن طريق مراقبة مواقع الإنترنت، وتعزيز الرقابة الوثيقة في الحدود الخارجية ورصد مواقع الإنترنت التي تروج للعنف المنظم. وعلي الصعيد الدولي، قدمت إسبانيا مطلع العام مقترحا لمجلس الأمن يتضمن إجراءات جديدة للتصدي ل"العنف والتطرف ومواجهة التكفيريين"، ومنها إحياء فكرة قديمة تعود إلي عام 1937حول إنشاء محكمة جنائية دولية متخصصة في جرائم الإرهاب. كما شمل الاقتراح تخصيص منصب لممثل خاص في الأممالمتحدة تكون مهمته تنسيق سياسات لمحاربة الإرهاب والتعصب. وجاء ذلك في إطار مشاركة وزير خارجية إسبانيا خوسيه مانويل جارثيا "لأول مرة" في جلسة لمجلس الأمن مخصصة لبحث الهجمات ذات البعد العرقي والديني في الشرق الأوسط. كما ناقش جارسيا بحث هذا الاقتراح منتصف أبريل الجاري، علي هامش اجتماع وزاري في برشلونة ضم وزراء وممثلين كبارا عن دول الاتحاد الأوروبي وثمانية بلدان من دول المتوسط من المغرب العربي والشرق الأوسط، استغلالا لموقف إسبانيا كدولة غير دائمة في مجلس الأمن حتي العام المقبل2016، إلي جانب توليها رئاسة المجلس اعتبارا من خريف ذات العام، في تقديم مقترح ملموس بشأن الاقتراح لهيئة للأمم المتحدة. وقال جارثيا - علي هامش الاجتماع- إن "المتطرفين تلاعبوا والتفوا حول رسالة الإسلام، واختطفوها من أجل تكوين أيديولوجية عنيفة وشمولية وقمعية وتوسعية". وأضاف أن "منطقة الشرق الأوسط ليست مجرد فضاء جيو استراتيجي من الدرجة الأولي بل إنه منبع للثقافة والتعايش علي مر التاريخ". جاء هذا في الوقت الذي دعمت فيه إسبانيا موقف مصر في إطار حربها ضد الإرهاب، حيث أدانت الحكومة الإسبانية بأشد العبارات الهجمات الإرهابية التي ارتكبت في شبه جزيرة سيناء ضد الجنود المصريين علي مدى الفترة الماضية، كما كررت إسبانيا مرارا إدانتها لجميع أعمال الإرهاب من أي نوع، معلنة تضامنها مع السلطات والشعب المصري في معركتهم لوضع حد لهذه الآفة.