من منا لم ير أمه تبكي عندما ينجح في المدرسة أو إذا تمكن من تحقيق هدف كان يجتهد للوصول إليه, من منا لم ير دموع الأم تسيل في فرح الأبناء,ونتسأل هل هي حزينة لفراقهم وانفصالهم عنها ليكونوا أسرة جديدة بعيد عنها, أم هي سعيدة لأن ابنتها اصبحت عروسة جميلة, أو ان ابنها بات عريسا يزين الكوشة. ونسمع من يقول.. إنها دموع الفرح!هل هناك فعلا دموع للفرح وأخري للحزن, ولماذا نبكي أذن إذا كان الفرح يملاؤنا فعلا؟ يقول العلماء إن الانسان يبكي لاسباب عديدة منها الحزن لفقدان شخص عزيز, أو الفشل في مواجهة موقف معين, أو يمكن أن يكون الخوف أو الاحساس بالضعف لعدم القدرة علي الخروج من أزمة ما. ولكنه يبكي ايضا عندما يفرح بشدة, فالبطل الرياضي يبكي عندما يحقق رقما قياسيا جديدا أو يفوز بمباراة مهمة, وكذلك يفعل الفنان عندما يفوز بجائزة كبيرة أو عندما يستقبله جمهوره بحب كبير. البكاء في كل هذه الأحوال يأتي نتيجة الانفعال الشديد سواء كان السبب سلبيا أو ايجابيا. وعندما يزيد قدر هذا الانفعال يصيب الانسان بحالة من التوتر والشد العصبي الذي يحتاج إلي تفريغها وإلا قد يتعرض لمشكلة صحية كبيرة, بل قد يفقد حياته بسببها, فصحيح أن هناك من يموت من الفرح أو من الحزن, والسبب هو الانفعال الشديد الذي يؤثر علي القلب والمخ وباقي اعضاء الجسم. فمن نعمة ربنا علي الانسان ان خلق له هذه الوسيلة للتخلص من هذا الحجم الكبير من الضغط العصبي الانفعالي, فقد وجد العلماء أن خمس دقائق من البكاء تعادل مفعول قرص مهدئ. ولهذا نجد أن الشخص الذي يبكي يشعر بعد ذلك بالراحة والهدوء النفسي. ولكن لماذا تبكي المرأة اكثر من الرجل, هل لأنها الأضعف أم أنها انفعالاتها أكثر عمقا لأنها عاطفية وهو لا؟ يبدو أن هذه ليست الأسباب الحقيقية وانما نظرة المجتمع له هي وراء اضطراره للتحكم في نفسه, فالناس لا تتقبل صورة الرجل الذي يبكي لأنه لابد ان يكون قويا ومتماسكا ومسيطرا علي أي موقف يتعرض له. ويجد العلماء أن هذا ظلم كبير للرجل لأن حرمانه من تفريغ شحنته الانفعالية تعود عليه بالاضرار الصحية التي يمكن ان يتفاداها إذا ما ترك لنفسه فرصة التنفيس عنها. فنحن نحتاج إلي مزيد من الاحترام للمشاعر الانسانية وان نربي أولادنا بفهم ووعي اكثر, فلا داعي ان نقول للطفل الذي يبكي عيب.. الرجل لا يبكي, لأن هذا غير صحيح, فالرجل ايضا يحتاج إلي البكاء أحيانا وهذا ليس ضعفا أو تشبها بالنساء, وانما هو شعور انساني وضعه الله سبحانه وتعالي فينا وأوجد لنا منفذا للتعبير عنه من أجل راحتنا. فلماذا اذن نحرمه علي الرجل, فالقوة لا تكون بالكف عن البكاء وانما لها العديد من المؤشرات الأخري التي من المنتظر أن تتوفر فيه!