كنت أظن أن نتائج انتخابات نقابات المحامين الفرعية قد تنبه جماعة الاخوان المسلمين إلي مزالق الطريق الذي ساروا فيه بعد أن أصبحت لهم الغلبة في البرلمان, وليس الأغلبية. فالغلبة قوة, والقوة لها جانب آخر مظلم حين يمارسها أصحابها, بنفس قواعد الطبيعة تعبيرا عن نفسها: كالزلزال والبركان والعاصفة والإعصار والطوفان, أما الأغلبية فهي سياسة, والسياسة مصالح وحسابات وتوازن وأخذ وعطاء ورؤية وتقدم وتراجع ونفس طويل وليس فيها فائز دائم وخاسر دائم! وتصورت أن الجماعة سوف تراجع نفسها عند اختيار لجنة كتابة الدستور الجديد, وتنحاز إلي الرأي الذي يرجح أن تقتصر عضوية النواب البرلمانيين فيها علي 30% علي الأكثر, لكن الجماعة أصرت علي المضي قدما في نفس الممارسات السياسية التي جبلت عليها منذ نشأتها, حين تشعر بالقوة والسطوة..فما بالك بالحكم!؟ وكان تصوري الساذج مرجعه أن الجماعة تضم بين عضويتها عقولا لامعة انتماؤها الوطني يعلو علي انتمائها الحزبي, ورؤيتها العامة تتجاوز أفكار التمكين وفتح مصر..الخ.. لكن يبدو أن هذا التيار أقلية, وانحازت الجماعة إلي تشكيل لجنة الدستور من 50% من داخل البرلمان و50% من خارجه, وقد لا ألوم الأحزاب السلفية لانحيازها إلي هذه النسبة او حتي المطالبة بأن تكون اللجنة من البرلمان فقط, فالسلفيون حديثو عهد بالسياسة.. وبهذا التشكيل لن تتمتع هذه اللجنة بالحياد والتكامل المفترض أن يصبغ عضويتها, خاصة أن مؤسسات المجتمع المدني من نقابات ونوادي هيئة تدريس وجمعيات أهلية لا تخلو من الحزبية, وبالتالي سيكون للتيار الديني نصيب من بين الأعضاء المختارين منها, أي أن اللجنة ستكون أقرب إلي كتابة دستور في دولة دينية, وأكرر بالرغم من سوء النية والتربص, إن الليبرالية ليست علي طرف نقيض من الإسلام, ويستحيل أن يتنكر مصري لدينه أو يحاول أن يجنبه علي الرف, لكن استغلال الدين في السياسة, واستفزار مشاعر البسطاء الدينية هو المرفوض تماما, خاصة في عصر يبدو فيه العقل المصري العام معطوبا ويلزمه وقت لتعود إليه عافيته! إن تشكيل اللجنة بهذه الكيفية خطر علي مستقبل مصر, وقد يراه البعض نعمة وفضلا وغزوة دستورية.. نحن لا نريد أن نكون باكستانا جديدا..فهي تجربة مريرة ودموية! المزيد من أعمدة نبيل عمر