كان لابد من إجراء هذا الاستطلاع بعد عدة أيام علي انتشار مقطع فيديو للداعية السلفي محمد حسين يعقوب الذي يصف فيه الاستفتاء علي التعديلات الدستورية بأنها «غزوة الصناديق» مؤكدا انتصار الدين فيها، حيث قال: «كان السلف يقولون بيننا وبينكم الجنائز، واليوم يقولون لنا بيننا وبينكم الصناديق، وقالت الصناديق للدين (نعم) داعياً الحضور إلي ترديد تكبيرات العيد احتفالاً بموافقة 77% من الناخبين علي التعديلات». قال يعقوب: «الدين هيدخل في كل حاجة، مش دي الديمقراطية بتاعتكم، الشعب قال نعم للدين، واللي يقول البلد ما نعرفش نعيش فيه أنت حر، ألف سلامة، عندهم تأشيرات كندا وأمريكا».. مضيفاً: «مش زعلانين من اللي قالوا لأ، بس عرفوا قدرهم ومقامهم وعرفوا قدر الدين». واعتبر الداعية السلفي أن «القضية ليست قضية دستور» موضحاً: «انقسم الناس إلي فسطاطين، فسطاط دين فيه كل أهل الدين والمشايخ، كل أهل الدين بلا استثناء كانوا بيقولوا نعم، الإخوان والتبليغ والجمعية الشرعية وأنصار السنة والسلفيين، وقصادهم من الناحية التانية (ناس تانية)»، وقال: «شكلك وحش لو ما كنتش في الناحية اللي فيها المشايخ». الفيديو الذي أدي إلي موجة حادة من الانتقادات دفعت «يعقوب» إلي الظهور يوم الخميس الماضي علي شاشة قناة الناس ليتساءل: «هل نلام علي التلقائية والعفوية وصدق المشاعر والأحاسيس-»، وأضاف في موضع آخر: «الكلام كان بضحك وهزار مش الحرب اللي الناس صورتها»، مؤكدا أن كلامه حمل علي محمل سيئ !! ورد يعقوب علي الاتهامات التي وجهت له بدعوة الرافضين لنتائج الاستفتاء بالهجرة وقال: «البلد لا بلدنا ولا حاجة البلد بلدكوا.. نحن نريد الآخرة.. نحن نريد الله.. نحن نريد الجنة.. بلد إيه يا جماعة» ! وقال يعقوب إن السلفيين أول من نادوا بحقوق المسيحيين في مصر وأنهم يعيشون بأمان نتيجة للفتاوي التي أطلقها الشيخ وزملاؤه من مشايخ السلفية! -- كل ذلك فتح تساؤلا حول طموح السلفيين لركوب السياسة خلال الفترة القادمة حتي وإن قال مشايخهم إنهم لا يفقهون في السياسة وإن هذا كله من أجل نصرة الدين .. الأمر الآخر هو التحالف غير المعلن من قبل جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين والذي ظهرت بشائره خلال الاستفتاء علي التعديلات الدستورية والتي انتهت بموافقة بنسبة 2,77 % وهو ما يطرح تساؤلا آخر حول إمكانية التحالف القادم بين التيار السلفي في مصر وجماعة الإخوان المسلمين. «روزاليوسف» طرحت عدة أسئلة حول مدلول مقطع الفيديو الذي انتشر للداعية يعقوب وهو يكبر تكبيرات العيد فرحا بالموافقة علي التعديلات ويردد أنصاره من خلفه وما تأثيره علي المجتمع المصري إذا اتبع هذا الأسلوب خلال الدعوة السلفية في الفترة القادمة. وأيضا حول فكرة التحالف الخفي بين الإخوان والسلفيين وما إذا كان سيظهر بقوة خلال الفترة القادمة أم لا- -- حسين عبد الرازق القيادي بحزب التجمع قال: إن ما نشاهده اليوم هو النتيجة الطبيعية للدولة «شبه الدينية» القائمة في مصر منذ دستور 1971 وإن إدخال الدين في السياسة يضر بالدين ويضر بالسياسة ولا أستطيع أن أتحدث عن التحالف بين السلفيين والإخوان المسلمون، ولكن أستطيع أن أتحدث عن هجمة التيار الإسلامي التي ساهم فيها كل من الإخوان المسلمون والسلفيين وبعض رجال بني دعاة «القنوات الفضائية»، واتفقوا جميعا علي تحويل الاستفتاء علي تعديل بعض مواد الدستور من قضية سياسية إلي قضية دينية، بل الأخطر إلي قضية طائفية بين المسلمين والأقباط. كما أن الإشارة إلي السفر إلي أمريكا وكندا - في الفيديو الخاص بالداعية يعقوب - هي إشارة مقصودة علي أساس وجود جاليات قبطية كبيرة في هاتين الدولتين وهذا عبث بأمن واستقرار مصر. وأنا لا أقول إنه تحالف ولكن الإخوان يحاولون الاستفادة من كل قوي الإسلام السياسي لتحقيق مصالحهم. أما حول ما إذا كان ما جاء في الفيديو الخاص بالداعية يعقوب كلاما غير مقصود جاء في سياق الحديث العام قال: «كل شيء جاء بهذه الخطبة هو مدروس ومقصود وهو يقصد تماما ما قاله حول أن «البلد بلدنا واللي مش عاجبه يطلع بره» وأكد أننا نواجه كارثة بكل المقاييس ويجب التصدي لها . -- أما د.نبيل عبد الفتاح الخبير في شئون الجماعات الإسلامية فقال: أريد العودة إلي الوراء وتحديدا منذ اختيار اللجنة المشرفة علي تعديل الدستور لكي نحلل ما وصلنا إليه اليوم وما نشاهده منذ أيام علي الإنترنت من فيديو للشيخ يعقوب، حيث وجدنا تمثيلا واضحا لجماعة الإخوان من خلال وجود أحد ممثليها داخل اللجنة مع عدم التمثيل لأي تيار سياسي آخر وأيضا وجدنا رئيس اللجنة المعروف عنه انتماؤه للتيار الديني، وكان هذا يبعث برسالة غير حميدة إلي كل القوي السياسية ورسالة إلي الشباب الذين قاموا بالثورة، الذين لا يوجد لهم أي تمثيل في اللجنة المكلفة بتعديل مواد الدستور. وإذا نظرنا إلي جماعة الإخوان نجد أنهم يتحدثون بمنطق الغلبة ويقوم بعضهم بخلق وضعية جديدة والبحث عن أدوار لم تكن موجودة من الأساس، وهذا خلق لهم فجوة ثقة بينهم وبين باقي التيارات السياسية ولذلك اتجهوا إلي التيارات الإسلامية الأخري المعروفة بانتمائها وصلتها بأجهزة الأمن السابقة في مصر _ ويقصد جهاز أمن الدولة المنحل _ وكان هذا التحالف الموجود الآن بديلا عن الثقة المفقودة بينهم وبين الشارع السياسي بعد اختلاق مواقف لم تكن موجودة. والغريب أن جماعة الإخوان لديهم وهم «الانتصار السريع» وكأنهم علي مشارف نصر جديد، وبالتالي قرروا التحالف مع دعاة السلفية من أجل تمرير تلك التعديلات الدستورية ومن ثم الفوز بتشكيل برلماني يوافق هذا التحالف الجديد الذي يرضي الأطراف المشاركة فيه. ولذلك لم يكن غريبا أن نستمع لتعديلات دستورية علي الطريقة الدينية وأن القول بنعم هو حفاظ للهوية الإسلامية في مصر رغم أنه لم يكن مطروحا للنقاش أصلا المادة الثانية من الدستور ولكن كانت فرص للتفرقة بين الأمة من خلال التعديلات الدستورية الأخيرة، وهو ما أدي إلي ظهور الشيخ يعقوب ليقول إن الدولة ملكنا ومن لا يريدها إسلامية فليخرج منها! وهو كلام يعبر عن نفسه فقط ولكنه جزء من الخطة الموجودة لتمرير تعديلات دستورية من خلال اللعب علي وتر الدين وإظهار تحالف التيارات الإسلامية صفا واحدا. -- أما الباحث حسام تمام فقال: في رأيي أن الاستفتاء علي التعديلات الدستورية هو بروفة للتحالف بين الإخوان والسلفيين وبداية تظهر معالم لتحالف مرتقب..والسلفيون من جهتهم يدخلون في الحياة السياسية لأول مره وربما تعويضا لغيابهم عن الحياة السياسية ولكن المشكلة التي تواجههم هي عدم وجود أي واجهة سياسية تعبر عنهم وتكون مقبولة في الشارع المصري وبالتالي لم يجدوا أفضل من الإخوان للقيام بهذا الدور وعلي الأقل في الوقت الحالي وبرروا ذلك بأن الإخوان أقرب سياسيا لهم من أي جهة سياسية أخري وهم لهم طموح سياسي . أما من ناحية الإخوان فإنهم وجدوا تيارا جديدا يريد التعبير عن نفسه، وبالتالي قرروا التعبير عن وجهة نظر السلفيين وهناك مد سلفي داخل جماعة الإخوان المسلمون وهو ما برر فكرة التحالف بينهم. وحول الفيديو الخاص بالداعية يعقوب فإن الإخوان ينأون بأنفسهم عنه وسيكونون محافظين علي صورتهم التي بنوها للكثيرين ولن يدافعوا عنه ولكن سيكون لهذا الفيديو أثره في أن يتخفي التحالف السلفي الإخواني لبعض الوقت. وأعتقد أن هذا خلط بين الدين والسياسة وهو خلط مرفوض لأنه جزء من الإرهاب الديني لأنه يخلط بين موقف سياسي خاص بالتعديلات الدستورية وموقف ديني بالحفاظ علي الهوية الإسلامية. كما أننا نشاهد القيادي بجماعة الإخوان د.عصام العريان وهو يتحدث بلهجة استعلائية بأنه لن يترك أي أحد يتحدث ويخوض في تشويه صورة الإخوان، وأعتقد أنه نوع من الاستعراض السياسي، ولكن هو محق في التصدي لمن يسيء لجماعة الإخوان، وإنما عليه أن يتحدث بشكل أكثر هدوءا لأن المطلوب ألا يستخدم هو اللغة المتعالية. -- وتحدث النائب الإخواني السابق حمدي حسن تعليقا علي الفيديو الذي عرض للشيخ يعقوب فقال: الرجل لا يفقه في السياسة باعترافه بنفسه بأنه ليس له في السياسة، وعندما سئل عن المظاهرات في بداية الثورة قال إنها حرام، وبالتالي يمكن أن نغفر له بعض الكلام غير الدقيق الذي قاله لأننا عندما نحرم الشعب طوال 30 عاما فعلينا أن نتحمل من بعض المواطنين فيه أن يخطئ في الحديث عندما يتكلم في السياسة والممارسة هي خير وسيلة لاكتشاف الأخطاء. وفي المقابل يجب محاسبة بعض القساوسة الذين حاولوا الاستفتاء علي التعديلات الدستورية بأنه يجب قول «لا» حتي لا تقام الدولة الإسلامية، وبالتالي شارك بعض القساوسة في تسخين الأجواء وتحويلها إلي خلاف ديني، ولذلك يجب أن نلقي الضوء علي الجانبين. كما يجب أن يعلم الجميع أن التعديلات التي طرحت كانت لا تتعلق بالشريعة الإسلامية، وبالتالي يجب عدم الخلط علي المواطنين بأنها كانت تعديلات من أجل الشريعة سواء الإسلامية أو المسيحية، وهذه نظرة الشيخ يعقوب ويُسأل هو عنها أو أحد السلفيين المتبعين لنفس المنهج، أما نحن كجماعة الإخوان المسلمون فقلنا: واجب شرعي أن نشارك في الاستفتاء وننصح بنعم ومن يقول لا فهو حر تماما. أما الحديث حول وجود تحالف بين الإخوان والسلفيين فمن يردد ذلك فهو «أحول» ولا يفقه شيئا إطلاقا والدعاية بأن هناك تحالفا بيننا وبين السلفيين هو نوع من عدم وضوح الرؤية. -- وقال النائب الإخواني السابق صبحي صالح وعضو لجنة التعديلات الدستورية التي أشرفت علي تعديل المواد الدستورية إن اللفظ خان الشيخ يعقوب وأنه لم يكن مطروحا منذ البداية فكرة تعديل المادة الثانية، وبالتالي لا أفهم لماذا تم إقحام الدين في السياسة ولكن يمكن اعتبار أنه كان رد فعل لما فعله بعض النصاري من موقف متشدد حول وجوب «لا» للتعديلات الدستورية من أجل عدم قيام الدولة الإسلامية وهو ما أدي إلي تحفزه - في رأيي- وكان بمثابة رد فعل عليهم. أما جماعة الإخوان المسلمين فهي تدرك تماما أن التعديلات لم تمس الدين من قريب أو بعيد، وبالتالي فنحن غير مسئولين عن أي كلام يردد في هذا السياق ولم نعط أي أوامر بوجود نعم أو لا.. وأعتقد أن هذا الخطاب لم يكن دقيقا ولكن يمكن عذره، لأنه غير مدرب علي الكلام في السياسة. -- الباحث ضياء رشوان قال: إن أكثر دليل علي خطأ كلام الشيخ يعقوب هو تراجعه عنه واعتذاره عن كل ما بدر منه عندما قال أنه كان يتكلم بحسن نية وأن الحماسة أخذته أكثر من اللازم. ولكن آخذ علي قيادات الرأي العام أن يكونوا أكثر حذرا وتدقيقا في كلامهم، لأن الشيخ يعقوب له مريدوه الذين يأخذون كلامه علي محمل التنفيذ، وبالتالي عليه أن يتوخي الحذر في كلامه لأن التفوه بكلام غير مدروس ستكون له عواقب غير حميدة علي المجتمع المصري في هذه اللحظات الحرجة من تاريخ مصر. وأما حول التحالف السلفي الإخواني الذي ظهرت بوادره في الموافقة علي التعديلات الدستورية فقال: «ليس تحالفا وإنما وجدت العديد من التيارات الدينية أن نعم للتعديلات الدستورية هي الأفضل للصالح العام في مصر - من وجهة نظرهم- والدليل هو وجود تيارات غير إسلامية قالت نعم للتعديلات.