ما أسرع حالات الطلاق غير الرسمى التى يصدرها الأزواج فى حياتهم اليومية، استغلالا لحق الطلاق والرجعة الذى كفله الشرع للزوج منفردا.. أغلب تلك الحالات تُستأنف بعدها الحياة فى حالات الطلاق الرجعى . ولكن قد تطول مدة الخلاف فيتحول الطلاق إلى بائن، دون أن يتم توثيق ذلك رسميا، ويدور الجدل بين الرجل والمرأة.. فتارة ينكر طلاقها، وأخرى يدعى مراجعتها، وثالثة يغالط فى مرات الطلاق، زاعما حرصه على العشرة، وتمسكه بزوجه، حتى لو كان الثمن أن يعيش معها فى حرام!. هذه الإشكاليات وغيرها من التساؤلات الحائرة عرضناها على الدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، فى الحوار التالي: متى تجوز الرجعة بين الزوجين بعد الطلاق؟ تجوز الرجعة فى الطلاق الرجعي، قبل انقضاء فترة العدة، سواء أكانت الطلقة الأولى أم الثانية، فإنه يجوز للرجل أن يراجع زوجته دون رضاها أو استئذانها، حيث إن الطلاق والرجعة بيد الرجل، شريطة أن يكون ذلك أثناء فترة العدة، حيث الزوجية لا تزال قائمة فى بعض الأحكام خلال تلك الفترة، لذا فإنه إذا توفى أحد الزوجين يرثه الآخر. .. وكم تبلغ عدة المطلقة؟ عدة المطلقة تختلف باختلاف طبيعة النساء فإذا كانت ممن تأتيها الدورة الشهرية فإن عدتها تنقضى بمرور ثلاثة أطهار من حيضات ثلاث وهو ما عبر عنه القرآن الكريم فى قوله تعالى «والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء». أما إذا كانت لم تحض أو بلغت السن التى تنقطع فيها الدورة عنها فعدتها تنتهى بثلاثة أشهر لقوله تعالى «واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن». أما الحامل فعدتها تنتهى بوضع الحمل لقوله تعالى «وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن». وما هى صور المراجعة؟ هناك من يشترطون أن تكون الرجعة بالقول والكلمة، كأن يقول الرجل لزوجته: راجعتك، أو راجعت زوجتى لعصمتي، وهناك من يقول إن أى فعل من أفعال الزواج كالتقبيل أو المعاشرة ونحوهما.. ولكنى أميل إلى الرأى الأول وقد قال به الإمام الشافعي، استنادا إلى أنه بما أن الزواج تم بكلمة فكذلك الرجعة لا تكون إلا بكلمة. وهل لابد أن يعلن الزوج المراجعة أمام الزوجة أو شهود؟ لا يشترط أن تكون المراجعة أمام المرأة، أو أمام شهود، ولكن يستحب الإشهاد على الرجعة (كما قال بذلك الجمهور) علما بأن الإشهاد لا يعد شرطا لصحة الرجعة. لكن بعض العلماء قال بوجوب الإشهاد على المراجعة، كابن حزم وغيره، وهذا هو الانسب لظروف العصر الذى نعيش فيه، خاصة بعد خراب الذمم وفساد أخلاق بعض الأزواج. هل يلزم الرجل إخبار زوجته وإعلانها بالرجعة، خاصة أنه فى حالات الخلاف قد يكون أى من الزوجين خارج منزل الزوجية لمدة قد تزيد على فترة العدة؟ نعم، يجب على الرجل إذا طلق زوجته من دون علمها أن يخبرها بذلك حتى يمكنها حساب بداية العدة، وكذا إذا راجعها فى فترة العدة يجب عليه أيضا أن يخبرها ويعلنها بالمراجعة، لأنه لو لم يعلنها ستنتهى الرجعة بينهما ويتحول طلاقهما من »رجعي« إلى «بائن». معنى ذلك أنه بانتهاء العدة وعدم إبلاغ الزوج زوجته بالمراجعة ..يجوز لها أن تتزوج غيره؟ نعم، فمن الناحية الشرعية يجوز لها أن تتزوج وزواجها صحيح شرعا، ما دامت قد علمت بالطلاق وتيقنت من وقوعه ولم تُخبر بالرجعة أثناء فترة العدة..لكنها ستقع فى إشكاليات قانونية، يصطدم فيها الشرع بالقانون، فهى فى حكم القانون زوجة، وبالشرع مطلقة، ولأنه لا يمكنها عقد زواج جديد يحفظ لها حقها فى ظل وجود العقد القديم الذى لم ينهه طلاق رسمي، لذا فالأولى بها أن تصبر حتى تثبت طلاقها بالشكل القانوني. لأن احترام القانون واجب ولو تأخر الحق بعض الوقت. ..وماذا لو أراد الزوج مراجعة زوجته بعد انقضاء فترة عدتها وهو لم يوثق عقد الطلاق؟ فى هذه الحالة نكون أمام زواج جديد، وليس رجعة، لأن الرجعة انتهت بانقضاء العدة وتحولت إلى طلاق بائن.وهذا الزواج الجديد يلزمه مهر وعقد جديدان، وقبل ذلك لابد من موافقة الزوجة أولا، فإن هى رفضت فليس لأحد أن يكرهها على الرجعة. وبما أن الطلاق لم يتم توثيقه، فإنه يجب توثيقه أولا، ثم إبرام عقد زواج جديد بمهر جديد للزوجة.ولا يجوز التهاون فى هذا. وإلا أصبحت العلاقة بين الرجل والمرأة فى هذه الحالة أى العودة للزواج دون عقد جديد علاقة محرمة شرعا لا علاقة لها بالزوجية، لأنه استمتاع بين رجل وامرأة بغير عقد شرعى (علاقة زنى). ماذا لو اختلف الرجل والمرأة أمام القاضى فى عدد الطلقات التى وقعت دون توثيق، كأن تم تجاوز الطلقتين، والزوج أنكر ذلك؟ فى هذه الحالة إذا كانت الزوجة على يقين بوقوع الطلقات الثلاث، بأن عرضا الأمر فى المرات الثلاث على فقيه قال لهما بوقوع الطلاق، فيجب عليها شرعا أن تفارق مطلقها (زوجها سابقا)، وأن تمتنع عنه ولا تقيم معه فى منزل واحد، حتى لو حكم القضاء بأنها ما زالت زوجته، استنادا لما يعرض عليه من اوراق رسمية، ولو عادت المرأة تكون العلاقة بينهما اثمة علاقة زنا محرمة، ولا يحل لهما الزواج إلا بعد طلاقها من زواج جديد لا تحليل فيه ولا اتفاق.