بعد نحو ربع قرن من نجاح دكتاتور أوزباكستان, إسلام كريموف فى السيطرة على جميع خيوط اللعبة, أصبح واضحا فى الآونة الأخيرة, أن نفس تلك الخيوط قد التفت حول رقاب أفراد أسرته, بعد أن نقلت وسائل الإعلام الغربية الصراعات والمؤامرات التى تدور داخل القصر الرئاسي, على غرار صراع بنات الملك لير فى مسرحية شكسبير الشهيرة. ومع إصرار كريموف (77 عاما) الواضح على أن تخلفه احدى بناته, يبدو أن كل منهن على استعداد لفعل أى شيء للوصول إلى سدة الحكم. أوزباكستان هى ثانى أهم الدول فى منطقة آسيا الوسطى بعد كازاخستان, يسكنها حوالى 30 مليون نسمة, 98 بالمائة منهم من المسلمين, وهى بلد غنية بأهم مواقع التراث العالمى كما حددت منظمة اليونسكو, بما فى ذلك المدن الشهيرة المؤدية إلى طريق الحرير العتيق, مثل سمرقند وبخارى وخوارزم, التى تبدو متصلة ببعضها البعض مثل حبات من لؤلؤ مع قباب فيروزية ومساجدها وخاناتها المغطاة بالفسيفساء المميزة, هذا بالإضافة إلى امتلاك أوزبكستان لواحدة من اكبر احتياطى اليورانيوم والغاز الطبيعي, بالإضافة إلى مناجم الذهب, كما أنها من اكبر الدول المصدرة للقطن فى العالم, ثم أنها أيضا تقع على خط النار مع الدول المشتبكة فى الحرب الباردة الجديدة, روسيا والصين والولاياتالمتحدة. تميز حكم كريموف بتحالفه الناجح مع الدول الغربية التى تعمدت أن تتجاوز بشكل واضح عن تاريخه الحافل بالانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان, وقمع المعارضة السياسية,والتعذيب فى السجون, كما أن قوائم رصد الشفافية الدولية قد اعتبرت بلاده واحدة من أكثر الدول فسادا فى العالم, وعلى الرغم من كل هذا فان كريموف كان قد لقى استقبال حار فى بروكسل عام 2011 من رئيس المفوضية الأوروبية وقتها جوزية مانويل باروسو, كما فتحت منظمة حلف شمال الأطلسى مكتب اتصال لها فى طشقند. كما انه حليف مهم لألمانيا تحديدا, كما ترصد مجلة دير شبيغل الألمانية, التى يكتب محللها السياسى اريك فولاث, كيف أن برلين أظهرت تفهم غير منطقى للنظام الاوزبكي, وكيف أنها سعت إلى إسقاط العقوبات التى كانت قد فرضت عليها عام 2005 بعد مجزرة انديجان فى شرق أوزبكستان والتى قتل فيها أكثر من 500 من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ, وقد رفض كريموف إجراء أى تحقيق دولى فى المجزرة, بل لقد سمحت ألمانيا أيضا للضباط الاوزبكيين بتلقى تدريبات لديها, بالإضافة إلى حرصها على دفع الأموال نظير استخدامها لقاعدتها العسكرية فى مدينة ترمذ, وهى المدينة الشهيرة التى ولد فيه الإمام الترمذى صاحب الجامع الصحيح واحد ابرز أئمة علم الحديث النبوي. كان إسلام كريموف قد ابدى منذ اللحظة الأولى قدرة هائلة على استعراض مواهبه أمام الغرب, الذى ابدى ترحيبا واضحا بهذه المواهب, وذلك عندما سعى فى عام 1989 وفى نهاية الحرب الباردة للتخلص من منافسيه من الحزب الشيوعي, ثم أصبح رئيس الحزب الاوزبكي, بعد حصول بلاده على الاستقلال عن الاتحاد السوفيتى السابق عام 1991, وقد انتخب رئيسا لها منذ ذلك الوقت بعد أن ردد على مسامع الغرب, أن بلاده كانت مستعمرة لاستغلال المواد الخام من قبل الاتحاد السوفيتي, وان موسكو عملت على القضاء على التعددية الحزبية فى بلاده, وبعد وصوله إلى الحكم عمل على حظر أنشطة جميع أحزاب المعارضة واجرى استفتاء لترسيخ سلطته حصل فيه على 99.6% من الأصوات. كانت أيضا من عناصر انجذاب الغرب لكريموف, القضاء النجاح على الإرهابيين فى بلاده بعد قيامهم بسلسلة من التفجيرات عام 2004, وقد نجحت هذه الخطوة فى إبداء الولاياتالمتحدة لإعجابها بأدائه فيما سمته الحرب على الإرهاب, لاسيما انه كان حليفا أساسيا فى تلك الحرب ضد القاعدة وطالبان فى أفغانستان, ثم مؤخرا, عندما اظهر كريموف بشكل علنى معارضته للرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى يونيو 2012 , ثم انسحابه من الحلف الذى تهيمن عليه روسيا, فى خطوة واضحة لتأمين الرضا الغربي. من ناحية أخرى فقد عمد كريموف إلى خلق النزاعات والصراعات بين مختلف العشائر الرئيسية التى تكون المجتمع الاوزبكى ليضمن عدم منافستها له فى الحكم, وكما يكتب المحلل السياسى المعارض اليشير الخاموف:"لقد نجح فى وضعهم فى جرة من زجاج مليئة بالعناكب وتركهم يقضون على بعضهم البعض" لكن يبدو أن هذه اللعبة قد مست فى نهاية المطاف أفراد عائلته نفسها, فبعد أن ظلت الرسالة الثابتة القادمة من القصر الرئاسي, أن ابنته المحبوبة جلنارا كريموفا هى من ستخلفه فى الحكم, يبدو أن الشقيقتين يتصارعان على الحكم بالإضافة إلى الأم. جلنارا 42 عاما, درست فى طشقند ثم فى جامعة هارفارد, وعملت فى سفارة بلادها فى موسكو فى سن مبكرة, وكانت قد اشترت حصصا كبيرة فى شركات النفط المربحة وشركات تصدير القطن إضافة إلى معظم الأسهم فى اكبر شركة هواتف محمولة فى البلاد, إلا أن عشقها الحقيقى كان للأزياء وموسيقى البوب, فقد أسست دار الأزياء والمجوهرات الخاصة بها تحت اسم "جولي" هو اسم تدليلها, وقد عرضت منتجات الدار جنبا إلى جنب مع ابرز البيوت العالمية فى نيويورك, كما أنها سجلت أغنية لها مع المطرب الشهير خوليو اجليسياس واغنية عاطفية مع الممثل الفرنسى الشهير جيرارد ديبار ديو. كانت تسريبات من برقيات ويكليكس قد أشارت أن سفير الولاياتالمتحدة فى البلاد وصفها بأنها أكثر امرأة بغيضة فى أوزبكستان. ولكن فجأة تحولت الابنة الأثيرة إلى كريموف, إلى معارضة واضحة له, ولم تمر اشهر حتى أعلنت النيابة العامة الفيدرالية السويسرية فى مارس 2014, عن التحقيق معها فى شبهات بغسل الأموال, وأعلن عن تحقيقات مشابهة فى عدة دول اسكندنافية أخري, ظل والدها صامتا تجاه هذه الاتهامات التى كان من الواضح تورط والدتها فى الكشف عنها, وقد اتضح هذا عندما تحدثت شقيقتها الصغرى لولا كاريموفا علنا ضدها, وقالت:"أنا لم اعد اعتبرها جزءا من العائلة" لولا هى سفيرة بلادها لدى اليونسكو وتقيم فى قصر قيمته 40 مليون دولار فى جنيف, وقد اتهمت شقيقتها بالفساد المالى وأنها ذات شخصية ضعيفة تسعى للفت الأنظار. من جهتها ردت الشقيقة الكبرى جولنارا" لا احد منا مثالي" فى تغريدة لها على موقع توتير, وقالت أن شقيقتها كانت تتعاطى الكوكايين وتتآمر ضدها طوال الوقت بسبب تعرضها للسحر الأسود, وأنها تكتنز مع والدتها مبالغ هائلة من الدولارات فى مكان سرى بقصر الرئيس. منذ فبراير 2104 وضعت جلنارا وابنتها البالغة من العمر 16 عاما تحت الإقامة الجبرية فى منزلها ولم يعد مسموحا لها بالاقتراب مترا واحدا من الرئيس, وكانت قد سربت عبر صفحتها على الفيس بوك أنها قد تعرضت للتعذيب على يد قوات الشرطة التى كسرت أصابع يديها, وانها ممنوعة من الحصول على العلاج, وقالت"إنهم يعاملوننا أسوء من الكلاب" وكان مكتب النائب العام الاوزبكى قد أمر بفتح تحقيق فى فساد جولنارا الخريف الماضي.