مع التزايد الملحوظ في أشكال وتكتيكات العمليات الإرهابية التي بدت واضحة للعالم العربي والإسلامي خلال الآونة الأخيرة. أضحي من المؤكد أن الفكر السائد داخل هذه العصابات الإرهابية يسعي لاختراق النسيج المجتمعي للمصريين بل للعالم أجمع، من خلال بث روح الكراهية في نفوس البشر من خلال استغلال رايات الدين من أجل خلق انشقاقات يتولد عنها فتن طائفية تؤدي الي اقتتال داخلي، ومن ثم تتحرك بعض الدول سواء الداعمة أو غير الداعمة لهذه الجماعات تحت ذريعة تثبيت الأمن والاستقرار. "الأهرام" ذهبت الي الدولة المسيحية في العالم وهي" الفاتيكان" والتقت - بمساعدة السفارة المصرية - باثنين من قامات الدين المسيحي المصريين هناك، هما المونسينيور خالد عياد بيشاي رئيس المجمع البابوي للكنائس الشرقية، وكما يطلق عليه عميد الجالية الكاثوليكية، ونيافة الأنبا برنابا أسقف روما وتورينو ومبعوث الكنيسة الأرثوذوكسية المصرية ، وعلي الرغم من اختلاف مذهبيهما، إلا انهما اجمعا علي اللحمة الوطنية، وأن الدين لله والوطن للجميع، ثم التأكيد على وجود سيناريوهات غربية لتقسيم الوطن العربي.
الكرسى السكندرى يحتل المرتبة الثانية بعد روما كيف رأيتم زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لبابا الفاتيكان.. وما هو تقييم رجال الدين الأجانب لها ؟ { الزيارة أذابت الجليد الذي كان موجوداً في السابق، وأتوقع ان تكون اجمل فترات العلاقة بين مصر والكرسي الرسولي هي الفترة القادمة، لأن الزيارة كان لها تقدير كبير جداً في نفوس من يعملون في المجمع البابوي، كما جرت مباحثات ودية وجدية بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والبابا فرانسيس. ما هي رسالتكم للمصريين في ظل التوترات والمؤامرات التي تستهدف زعزعة استقرار الوطن العربي بأكمله باسم الدين الإسلامي؟ { مصر تتنفس الآن الحرية، بعد مرحلة الإحباط التي عاشها المصريون فترة حكم جماعة الإخوان المسلمين والآن أصبح الآمل موجود من أجل مستقبل أفضل لمصر الحبيبية، فما حدث خلال الفترة الماضية من اعمال ارهابية كانت تستهدف النيل من وحدة الصف بين المسلم والمسيحي إنما زادت الشعب لحمة وتكاتفا لمواجهة الأخطار الإرهابية سواء الداخلية او الخارجية. ورغم ان الهدف منه كان التفرقة بين المسلمين والمسيحيين إلا ان الشعب المصري وإدارته على وعي بهذا، ولن نسمح بتفريق أبناء الوطن الواحد، فالدين لله والوطن للجميع وهذه الجماعات الإرهابية مثل "داعش" هي اول ما يسيء للدين الإسلامي. هل اتفق الفاتيكان مع ما قامت به مصر من عمل عسكري في ليبيا عقب نشر داعش لفيديو قتل المصريين ؟ { نحن هنا في الفاتيكان أيدنا ما قامت به مصر، فالجيش المصري لم يكن أبدا جيشا معاديا او غازي للدول، وما قامت به القوات المسلحة هو حق أصيل في الدفاع عن الشعب المصري، وكان رد فعله قوي وسريع. ما هي طبيعة العمل في مجمع الكنائس الشرقية داخل الفاتيكان ؟ { نحن وسيلة التواصل بين كنائس الشرق والفاتيكان فالمؤسسات هنا قائمة علي مجموعة من المجامع والمجالس البابوية، والمجمع الشرقي احدهم، وهو مختص بشكل بحت بكل ما يخص كاثوليك منطقة الشرق، الذين ينتمون الي تراث شرقي كالأقباط والأرمن والكاثوليك والكنيسة البيزنطية، بالإضافة الي الكنيسة المارونية والكنيسة الكردانية وكنيسة مالابار ومالانكار في الهند والكنيسة القبطية الإثيوبية ، فضلا عن الكنيسة الاوكرانية والرومانية. مع العلم بأن الكنائس الشرقية يميزها طابع مختلف عن الكنيسة اللاتينية ، فمثلا في مصر السلطة الكنسية تستطيع تدبير أمورها الذاتية من خلال سلطة داخلية، فهناك بطريرك يترأس الكنيسة وأساقفة، حقيقي أنهم يخبرون الفاتيكان في اغلب الأحيان بأمورهم لكن لا ينتظر الموافقة في الغالب الا على بعض الأمور. كم هو عدد ابناء الجالية المصرية الكاثوليكية في الأراضي الإيطالية؟ { عددهم يتراوح ما بين 150 الي 200 شخص. اما عدد الدارسين منهم للعلوم الدينية والاجتماعية فحوالي 20 شخصا من الجنسين، وقلة عدد الدارسين يرجع الي التكلفة المالية للدراسة هناك. هل تتحمل الكنيسة الكاثوليكية في مصر أي مصاريف للمنح الدراسية للفاتيكان..وما هي آلية اختيار الدارسين ونصيب كل دولة؟ { نعم كلية اللاهوت في مصر تعطي منحة دراسية للطالب المتفوق، بالإضافة الي الرهبنة من الفرانسيسكان التى تعطي منحا دراسية آخري أما بشأن المحاصصة للدول في المنح الدراسية فلا توجد ارقام معينة، فالمجمع الباباوي لديه 5 كليات، لذا يجب ان يكون هناك حضور من 22 كنيسة شرقية، وآلية العمل تكمن في تقديم طلبات الدراسة، ثم يعقد اجتماع لدراسة كافة الطلبات المقدمة، وبعد ذلك يتم حساب عدد الأماكن الشاغرة مع عدد الطلبات الواردة من كل الكنائس، وبناء علي ذلك يتم عمل التنسيق ما بين الكنائس، بالتساوي تقريباً، ولا يمكن ان يدرس اكثر من اربع قساوسة في نفس التوقيت علي سبيل المثال. هل هذه النسبة في صالح مصر بسبب تعدادها الكبير؟ { الأمور في هذا الصدد لا تحسب بالتعداد، ولكن بعدد الكنائس الكاثوليكية والتي هي قليلة في مصر، مقارنة بعدد الكاثوليك في الكنيسة الأوكرانية الذي يتراوح بين ستة وسبعة ملايين مسيحي، او الكنيسة المارونية بنحو مليون ونصف المليون نسمة. لكن بحكم التاريخ فان الكرسي السكندري يجيء في المرتبة الثانية بعد كرسي روما مباشرة، ومن ثم فهناك اولوية دائماً لمصر في هذا المجال.
العلاقات المسكونية ممتازة .. ودعونا البابا فرانسيس لزيارة مصر كيف تقرأ ما يراه البعض الترويج من ان استهداف الأقباط في ليبيا غرضه احداث فتنة طائفية ؟ { انا من الأساس ضد مبدأ عنصري الأمة والوحدة الوطنية، لأننا في النهاية شعب واحد، ومحاولات الجماعات الإرهابية استهداف الأقباط سواء في مصر أو في ليبيا كان لإحداث وقيعة واختراق نسيج المجتمع المصري، لكن المصريين جميعا متحدون. ونحن نقف مع الدولة في حربها ضد الارهاب سواء داخل مصر، أو خارجها وبالتالي نحن ضد الإرهاب. واذكر حينما حرقت الكنائس في مصر قال البابا تواضروس آنذاك " اذا احرقت كل الكنائس .. فداءً لمصر " كما اذكر أعلي رأس في الدولة وهو السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي وعلي وجه علامات الحزن، يوم عرض شريط الفيديو الشهير لقتل المصريين في ليبيا، فقام علي الفور بضرب معاقل التكفيريين بعدها ذهب لرأس الكنيسة وقال للبابا تواضروس انني قبل ان أقدم واجب العزاء كان يجب ان أخذ حق أولادي، وهنا لم يفرق أبداً بين مسلم ومسيحي، هذه هي صلابة الشعب المصري التي لن يتمكن احد من اختراقها او احداث اي فتنة. هل يتفق الجانب الإيطالي مع ما تقوم به مصر لمحاربة الإرهابيين ؟ { المجتمع الإيطالي في ذهول مما يحدث، وهو مدرك تماماً ان ذلك ليس له علاقة بالدِّين الإسلامي. والدول الأوروبية بدأت تستوعب خطورة تلك التنظيمات. وقد قابلت أشخاصا مهمين في إيطاليا وأبدو لي تأييدهم لما قام به السيد الرئيس من ضرب معاقل تنظيم "داعش" هل هناك قطيعة او فتور في الحوار بين الكنيستين الأرثوذوكسية في مصر والكاثوليكية في الفاتيكان ؟ { العلاقات المسكونية الآن ممتازة، ولا توجد اي مشاكل بين الكنيستين، وتربطنا محبة كبيرة، ونحن في حوار ممتد ومفتوح مع الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان منذ مايو 1973 وحتي الآن، ولم تكن هناك قطيعة، حتي من قبل، فالحوار المسكوني بدأ منذ زيارة قداسة البابا شنودة للفاتيكان، والتي كان لها مدلول إيجابي في فتح الحوار المسكوني خصوصا وانه لم يسبقها زيارة لبابا أرثوذوكسي للفاتيكان منذ قرون. والهدف من هذا الحوار هو توحيد المفاهيم بين الكنيستين حول نقاط الاختلاف العقائدية، كما جاءت زيارة البابا تواضروس في مايو من العام 2013، والتي كانت أيضاً تاريخية وحملت في طياتها معاني كثيرة منها الاحتفال بمرور أربعين عاماً على فتح الحوار، ثم كونها الزيارة الخارجية الأولي للبابا تواضروس خارج مصر. والآن بدأنا نتقارب وبدأت وجهات النظر توضح أكثر فيما بيننا، وبدأنا تعريف الفاتيكان بالكنيسة الأرثوذوكسية ، والعكس صح هل هناك نية لزيارة البابا فرانسيس لمصر قريبا ؟ { الدعوة قدمت بالفعل للبابا علي المستوي الكنسي. هل ستدعم الكنيسة مرشحين محددين لضمان تمثيل عادل من حيث نسبة المقاعد في البرلمان المقبل؟ { الكنيسة لا تتدخل في الاختيار مطلقاً، فأنا لن انتخب قبطيا سلبيا علي حساب مسلم إيجابي والعكس صحيح، لقد آن الأوان أن يتم اختيار أعضاء البرلمان بناء علي مبدأ " خير من يخدم مصر ". كيف تقييم علاقة الكنيسة الحالية مع مؤسسة الأزهر الشريف؟ { العلاقات متميزة علي مدى التاريخ، وبدأ التلاحم بين الأزهر والكنيسة في أعقاب ثورة يناير، وأصبحوا مجتمعين علي رأي واحد، فضلاً عن العلاقة المتميزة بين البابا تواضروس والشيخ أحمد الطيب الذي يجاهد الآن لإظهار الصورة الحقيقية للإسلام الذي يحمل السلام. هل هناك ضرورة لتغيير الخطاب الديني في الكنيسة مثل ما يحدث في المساجد الآن؟ { اذا لاحظت أن أحد أولادي في الرعيه سواء قسيس أو كاهن سينحرف في الخطاب الديني، فلن أسكت، لكن هذا صعب حدوثه ونحن لا نتحدث مطلقاً في السياسية خلال العظة الأسبوعية. اما بشأن تغير الخطاب الديني في المساحد فأقول أن كل الشيوخ الذين درسوا الاسلام الصحيح معتدلون.