طرحنا للمناقشة في المقال السابق مستقبل الحياة الحزبية في مصر في ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية وما أحدثته ثورة25 يناير من تطورات وصراعات سياسية حول مستقبل البلاد. واستعرضنا أهم ملامح الخريطة الحزبية الراهنة التي تضم ما يقرب من ستين حزبا معترفا به, ولكن استعراض الخريطة الحزبية الراهنة لا يكفي وحده للتعرف علي مستقبل الحياة الحزبية في مصر, بل من المهم أيضا أن نناقش المقومات الأساسية التي يجب أن تتوافر في الحزب السياسي لكي يكون قادرا علي الاستمرار وعلي الممارسة والتأثير الفعال في المجتمع. والحزب السياسي هو تجمع طوعي ينشأ للدفاع عن مصالح طبقية أو رؤية ثقافية محددة من خلال برنامج سياسي يسعي للوصول إلي السلطة من خلال الانتخابات لوضع هذا البرنامج موضع التطبيق, ولكي يكون الحزب السياسي بهذا المفهوم قادرا علي المنافسة الحزبية والمنافسة الانتخابية للحصول علي أغلبية برلمانية تمكنه من تشكيل الحكومة فإنه يجب أن تتوافر له مجموعة من المقومات الأساسية في مقدمتها: 1 رؤية فكرية وسياسية يتم ترجمتها في برنامج سياسي: يحدد موقف الحزب من قضايا ومشكلات المجتمع والحلول التي يقدمها لها وأولوياته في حلها والإجراءات المحددة التي سينفذها عندما يتولي السلطة لوضع هذه الحلول موضع التطبيق. 2 التنظيم الحزبي: الذي يمكن الحزب من توصيل رؤيته الفكرية وبرنامجه السياسي إلي المواطنين في مختلف أرجاء البلاد ويشترط في هذا التنظيم أن تتواجد وحداته الأساسية حيث يعيش الناس وحيث يعملون ويمارسون النشاط, بإعتبار أن الوحدة الأساسية للحزب هي حلقة الصلة بين الحزب والشعب التي تنظم نشاط أعضاء الحزب في عمل جماعي في مجتمعهم المحلي والمنظمات الجماهيرية كالنقابات والجمعيات الأهلية والجمعيات التعاونية والأندية. 3 الانتشار الجغرافي: لا يكفي أن يملك الحزب السياسي تنظيما يعبئ أعضاءه وينسق حركته ويوحد نضاله السياسي, بل من الضروري لضمان فاعلية هذا النضال السياسي أن يتوافر للتنظيم الحزبي الانتشار الجغرافي لتتواجد وحداته الأساسية في معظم القري والأحياء السكنية بالمدن وأن تتواجد أيضا في مواقع العمل من مصانع ووحدات خدمات, وبدون هذا الانتشار الجغرافي لا يكون الحزب طرفا فاعلا في المنافسة الحزبية والانتخابية. 4 الكادر السياسي: يعتبر الكادر السياسي من المقومات الأساسية للحزب السياسي والتي لا يمكن بدونها أن يمارس الحزب نضاله ويصل بأفكاره إلي أوسع دائرة ممكنة علي إمتداد البلاد, هذه القيادات يستطيع الحزب أن يكتشفها من بين العناصر الحركية في العضوية التي تتميز بالقدرة علي المبادرة والاستعداد للتجاوب مع الأحداث ويزود الحزب هذه العناصر بالوعي السياسي والمعرفة العلمية التي تمكنها من تولي مواقع قيادية في مختلف مستويات الحزب ومن خلال هذه المواقع القيادية تتشكل لها شعبية داخل الحزب وخارجه فتكتسب القدرة علي التأثير في الآخرين وقيادتهم في إطار أهداف الحزب ومواقعه وبقدر ما يزيد عددها يتسع نشاط الحزب في مختلف المواقع ومختلف المجالات. 5 حياة داخلية ديمقراطية: من أهم مقومات الحزب السياسي التي تضمن له الفاعلية والاستمرار والقدرة علي التأثير الجماهيري, أن تقوم حياته الداخلية علي أسس ديمقراطية تحكم العلاقات داخل الحزب مثل أن تكون الهيئات ومراكز المسئولية في الحزب بالانتخاب, وألا تزيد مدة بقاء الشخص في المسئولية علي دورتين انتخابيتين لتوسيع تداول القيادة داخل الحزب, وألا يتولي الشخص الواحد أكثر من مسئولية قيادية واحدة. 6 الموارد المالية: من أهم مقومات الوجود للحزب السياسي توافر موارد مالية تمكنه من ممارسة نشاطه بفاعلية في المجتمع حيث يتطلب النشاط الحزبي إيجاد مقار في مختلف المواقع يلتقي فيها الأعضاء فضلا عن تكلفة انتقال الأعضاء لحضور الاجتماعات الحزبية, وتكلفة إصدار المطبوعات الحزبية وغيرها من أوجه النشاط الحزبي التثقيفي والجماهيري. وهناك أيضا الموارد المالية اللازمة لامتلاك الحزب وسائل إعلام جماهيرية. ومن الضروري أن يبحث الحزب بجدية كيفية تأمين مصادر دائمة لتمويل أنشطته بما يضمن استمرار نشاطه وإتساع رقعة هذا النشاط. هذه هي أهم المقومات الواجب توافرها في الحزب السياسي ليكون قادرا علي المنافسة الحزبية والانتخابية. فهل تتوافر هذه المقومات في الأحزاب السياسية الموجودة في مصر الآن؟ ليس من شك أن معظم الأحزاب المصرية تفتقر إلي هذه المقومات ولا يمكن تصور حياة حزبية ناضجة في مصر بدون أحزاب تمتلك هذه المقومات جميعا. وبدون أحزاب قادرة علي المنافسة لا يمكن الاطمئنان إلي قدرة المجتمع المصري علي استكمال تطوره الديمقراطي لأن التعددية الحزبية الناضجة شرط أساسي لاستكمال هذا التطور الديمقراطي. المزيد من مقالات عبدالغفار شكر