كشفت انتخابات مجلس الشعب الأخيرة أوجه خلل خطيرة في الحياة الحزبية المصرية الراهنة, وتطرح بقوة مستقبل الأحزاب المصرية التي يزيد عددها حاليا علي مائة حزب منها ستون حزبا رسميا حصلت بالفعل علي شرعيتها القانونية ومع ذلك فإننا نلاحظ التفاوت الكبير بين هذه الأحزاب من حيث العضوية والانتشار الجغرافي والنفوذ السياسي والجماهيري وما يتوفر لها من كوادر سياسية حقيقية. ولبحث الوضع الحزبي الراهن وأوجه الضعف فيه وكيف يمكن تطويره فإننا مطالبون بأن نستعرض أولا الخريطة الحزبية الراهنة وسماتها المميزة من ضعف وقوة ثم نبحث كيفية تطورها ومتطلبات هذا التطور من بناء هذه الأحزاب علي أسس سليمة وتوفير المقومات الأساسية للحزب في بنائها ونشاطها وكيفية إعداد قيادات حزبية مؤهلة لقيادتها نحو تحقيق أهدافها... الخ. ولنبدأ بالخريطة الحزبية الراهنة ومكوناتها وسماتها الأساسية والتي تضم أكثر من مائة حزب منها ستون حزبا تقريبا تعمل بصفة رسمية بعد حصولها علي موافقة الجهات المختصة, تتوزع هذه الأحزاب علي الجبهة الفكرية بين أحزاب دينية وأخري ليبرالية وإشتراكية وقومية, تتفاوت قدراتها البشرية والسياسية والجماهيرية والمالية بدرجة كبيرة, كما أن بعض هذه الأحزاب حديثة النشأة لم تتح لها الفرصة الكافية لتقديم نفسها إلي جماهير الشعب الذين لا يعرفون أسماء هذه الأحزاب أو قياداتها أو برامجها, في حين أن البعض الآخر يتجاوز عمره الثلاثين عاما تضم الخريطة الحزبية الراهنة21 حزبا فقط نجحت في الحصول علي مقاعد في مجلس الشعب حزب الحرية والعدالة, النور, الوفد, المصري الديمقراطي الاجتماعي, المصريون الأحرار, الإصلاح والتنمية, الوسط, البناء والتنمية, الأصالة, التجمع, الحرية, مصر القومي, المواطن المصري, التحالف الشعبي الاشتراكي, الكرامة, الحضارة, العدل, الإتحاد, الإتحاد المصري العربي, السلام الديمقراطي, العمل. منها حزبان فقط( الحرية والعدالة, والنور) حصلا علي329 مقعدا من إجمالي مقاعد المجلس498 أي بنسبة تقرب من70% من المقاعد بينما حصل حزب الوفد علي33 مقعدا والحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي علي17 مقعدا وحزب المصريين الأحرار علي13 مقعدا وباقي الأحزاب ما بين10 مقاعد ومقعد واحد ويعني هذا أننا أمام خريطة حزبية داخل مجلس الشعب لا تقوم علي تكافؤ القوي ويعتبر هذا الوضع داخل المجلس إنعكاسا للوضع السائد في الحياة الحزبية عموما. حيث تنقسم الخريطة الحزبية إلي: حزب الحرية والعدالة وهو الذراع السياسية لجماعة دينية( الإخوان المسلمين) يتجاوز عمرها ثمانون عاما نجحت خلالها في الصمود في مواجهة تحديات ضخمة وراكمت خبرات متنوعة في مجال التنظيم والعمل السياسي والنشاط الاجتماعي والعلاقات الجماهيرية والمشاركة في الانتخابات البرلمانية والنقابية, تمتلك هذه الجماعة إلي جوار الخبرة إمكانيات مالية هائلة. عدد محدود من الأحزاب السياسية المدنية تأسست عام1976 وما بعده بقليل لها رصيد يتفاوت من حزب لآخر في العمل السياسي والعلاقات الجماهيرية والإمكانيات المادية مثل حزب الوفد وحزب التجمع وحزب العمل والحزب الناصري وحزب الغد وحزب الجبهة الديمقراطية وحزب الكرامة وقد اكتسبت هذه الأحزاب سمعتها كأحزاب معارضة للنظام, وإن كان بعضها قد جنح إلي الإرتباط به في سنواته الأخيرة. عدد من الأحزاب الهامشية في حدود15 حزبا شكلها النظام السلطوي ليستخدمهافي الوقت المناسب لإضعاف تأثير الأحزاب المعارضة, وهي كيانات هشة بعضها عائلي وبعضها شللي ولا يتجاوز عدد أعضائها بضع مئات أو عشرات من الأفراد ولا تتوفر لها أي إمكانيات مالية وقدرات بشرية أو امتداد جغرافي مثل حزب الأمة وحزب السلام الديمقراطي, وحزب المحافظين, وحزب شباب مصر, وحزب مصر2000... الخ. عدد من الأحزاب الجديدة يتجاوز عددها الثلاثين تأسست بعد ثورة25 يناير2011 لم تتح لها الفرصة لتقدم نفسها للشعب المصري فلا يعرف معظم المواطنين أسماء هذه الأحزاب أو قادتها أو برامجها, وتعتبر الانتخابات مناسبة هامة لطرح برامجها وقادتها علي الناخبين والتعريف بنفسها علي نطاق واسع. وتنقسم هذه الأحزاب الجديدة من حيث الفاعلية السياسية والقدرة الجماهيرية والإمكانيات المادية إلي أحزاب قادره علي المنافسة الحزبية والانتخابية وتملك كل مقوماتها وأحزاب تفتقرالي المقومات الاساسيه للمنافسه بالاضافة الي بعض الاحزاب الهامشيه. هذه الخريطة الحزبية التي تضم العديد من الأحزاب الصغيرة بل والهامشية إلي جوار أحزاب كبيرة وفاعلة تؤكد امكانية إعادة رسم هذه الخريطة من خلال توحيد بعض هذه الأحزاب التي تنتمي الي تيار سياسي واحد وهوما بدأ يحدث بالفعل واندماج بعض الاحزاب الهامشية أو الصغيرة في أحزاب كبيرة فضلا عن اختفاء بعض الأحزاب التي لاتملك مقومات الاستمرار. وهكذا فإن الخريطة الحزبية سوف تتغير خلال سنوات محدودة لتقتصر علي عدد محدود من الأحزاب الكبيرة القادرة علي المنافسة والقادرة أيضا علي قيادة المسيرة الديمقراطية في مصر ولكن هذا التطور لا يكفي وحده لترشيد الحياة الحزبية بل من المهم أيضا أن تبذل قيادات هذه الأحزاب جهودها من أجل بنائها كأحزاب حقيقية تتوفر لها المقومات الفكرية والتنظيمية والكوادر البشرية والإمكانيات المالية التي تمكنها من القيام بدور حقيقي في الحياة الحزبية مستقبلا. المزيد من مقالات عبدالغفار شكر