أضحت ظاهرة الفساد خطرا عالميا تواجهه أكبر المنظمات الدولية كمنظمة الأممالمتحدة وغرفة التجارة الدولية ومنظمة الشفافية الدولية والمنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول) وغيرها، إذ لم يعد الفساد مسألة داخلية خاصة بدولة معينة فى ظل ما يشهده العالم من عولمة اقتصادية وانفتاح حضارات العالم وثقافاته على بعضها البعض ويكمن الفساد الذى نرمى إليه فى ممارسات القيادات الاقتصادية وأصحاب المناصب السياسية الرفيعة خاصة فى الدول النامية لأجل تحقيق مكاسب غير مشروعة بطرق غير قانونية كالرشوة والوساطة والاتجار بالبشر والمخدرات والسلاح واستغلال النفوذ والسرقات والاحتيال وغسل الأموال وجرائم الإرهاب وغيرها. ويرى الدكتور عبدالواحد محمد الفار أن هناك ثلاثة عوامل تشكل فيما بينها سببا جوهريا لانتشار الفساد. العولمة الاقتصادية وما صاحبها من توسيع التكامل الاقتصادى وتعميقه وتوسيع السوق العالمية الأمر الذى أوجد مناخا خصبا لإرتكاب الجرائم فلم تعد ترتكب الجريمة فى نطاق ولاية قضائية معينة وإنما امتدت إلى دول عديدة ومن الصعب فصل بعضها عن بعض. بزوغ نظام مالى متشابك إلكترونيا ساهم فى ازدياد فرص أعمال الفساد. تطور النظام التجارى الدولى واعتماده على مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات المبرمة بين الدول والشركات متعددة الجنسيات والتى تقوم على مبدأ الثقة وحسن النية وهى ثقة يمكن أن تتعرض بسهولة وبشكل مباشر لارتكاب جرائم الفساد. وإذا كانت هذه الأسباب هى الداعى لانتشار الفساد عالميا، فهناك أكثر من سبب لانتشار الفساد على مستوى الدولة الواحدة ولعل من أهم الأسباب فى ذلك خصخصة عدد كبير من المشروعات وشركات القطاع العام مما أدى إلى اغتيال المال العام والعدوان عليه وتنامى دور الشركات متعددة الجنسيات وتغلغلها فى الدول النامية واعتيادها تقديم الرشاوى للمسئولين فى هذه الدول لتسهيل حصولها على صفقات بدون وجه حق بما أدى إلى تراجع السيادة الوطنية للعديد من الدول. ومن الآثار السلبية والأضرار التى يجلبها الفساد على الدول النامية ما يلى: استمرار حالة التخلف والفقر وتدنى مستوى المعيشة وضياع فرصة استغلال الأنشطة الاقتصادية على الوجه الصحيح والانحراف عن جادة الصواب فى توظيف موارد الدولة. والقضاء على الكفاءات الإدارية والاقتصادية بهذه الدول لتولى ذوى الحظوة. سوء توزيع الخدمات الحكومية على نحو غير عادل إذ تكون المسئولية حينئذ بين مسئولين ضعاف النفوس ممن يقبلون الرشوة والوساطة بما يترتب عليه تخصيص الموارد لمن يقدر على دفع رشوة أكبر. ويترتب أيضا على انتشار الفساد ارتفاع الأسعار وضعف الإنتاج وفساد الإدارة، وسوء التخطيط والتضخم وارتفاع سعر العملة الصعبة مقابل انخفاض العملة الوطنية. تدنى حالة الاستثمار الأجنبى بل تراجعه لأن المستثمر الأجنبى يهمه بالدرجة الأولى استقرار الأوضاع فى الدولة التى يوجه استثماره اليها. تشوه القرارات الرأسمالية فى الدول النامية فيهمل المسئولون إقامة المشروعات الحيوية وذات الأولوية للتنمية الاقتصادية وتتجه الدولة نحو إقامة مشروعات غير ذات أهمية على الإطلاق، بما يفسر وجود مشروعات ما تكاد تبدأ حتى تتوقف، ووجود مشروعات ما كان ينبغى لها أن توجد من الأساس لعدم جدواها، وكذلك وجود طرق ومستشفيات ومصانع تظل مهجورة لزمن طويل واستيراد آلات ومعدات تترك فى العراء، والغريب والمثير فى الأمر أنه إذا تم تركيب هذه الأدوات تفاجأ بأنها لا تعمل!! ولعل ظهور الفساد على هذا النحو أصبح داء عالميا تواجهه أكثر دول العالم، الأمر الذى دعا الأممالمتحدة لتخصيص التاسع من ديسمبر من كل عام يوما عالميا لمكافحة الفساد. وإننا إزاء مواجهة هذه الآفة التى تأكل جراءها النظام الاقتصادى والإدارى وأصبحت مصر فى ذيل الدول، كان لابد من وقفة سريعة ومعالجة أكيدة لإنعاش وإصلاح النظام الاقتصادى والإدارى فى الدولة. بما دعا رئيس الوزراء المهندس ابراهيم محلب لإطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وأكد أن مصر ملتزمة بتطبيق أحكام منظمة الأممالمتحدة فى مجال مكافحة الفساد مشيرا إلى ما يصبو اليه دون اتصال مباشر بالموظفين بغية الحد من فرص الفساد. وبحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية فإن مصر انتقلت من المركز ال411 إلى المركز ال49 عالميا فى مكافحة الفساد خلال العام الماضى 2014 إلا أنه مازال أمامنا الكثير والكثير ولن يتحقق ذلك إلا بتكاتف أبناء المجتمع جميعا كل بحسب مكانه وموقعه لمجابهة ومحاربة خطر الفساد الذى ينخر فى هيكل الدولة الاقتصادى والاجتماعى والإدارى. محمد حافظ باريدى باحث فى القانون الدولى