الأزمة الطاحنة التى تتحدث عنها أنت الذى صنعتها بنفسك، فلقد كان موقف الفتاة التى تصفها ب «حبيبتك» منك منذ البداية دليلا قاطعا على أنها لا تريدك، بل ولا تريد الشاب الآخر الذى تعلق بها، وتركتك من أجله، لأنها تريد الشقة والسيارة، ولوازم الوجاهة، وأسباب السعادة المادية، أما الحب الوهمى الذى تصورته تجاهها، أو تخيلته تجاهك، فلا وجود له. والحقيقة أننى استغرب أن يجرى شاب مثقف مثلك وراء هذه الأوهام، ولا أدرى كيف اقنعت نفسك بأنها فتاة العمر التى بدونها لن تشعر بطعم الحياة، وهى التى أفصحت لك بمكنون صدرها، من أنها لا تشعر نحوك بأى عاطفة، وراحت تغدق مشاعر الحب الكاذبة أيضا على زميلها بالجامعة، من أجل أن تفوز به ظنا منها أنه سيوفر لها أسباب الرفاهية، ولقد كان طبيعيا وأنت تتحول بكل جوارحك نحو من لعبت بك، أن تعامل زوجتك بجفاء، برغم أنك لم تنكر عليها دينا ولا خلقا، ورحت تقنع نفسك بأنها تتطاول عليك، وفاتك أن تخبطك الواضح وتصرفاتك الماثلة امامها هى التى تدفعها إلى الخروج عن طورها، فلا يعقل أبدا أن ترى أى زوجة زوجها مندفعا إلى أخرى، وتسكت أو تصفق له، فالطبيعى أن تثور لكرامتها، وأن تسعى إلى الحفاظ على بيتها، وأنى اسألك: هل هى التى تسببت فى الفضائح العائلية التى تتحدث عنها، أم أنك أنت الذى تسببت فى هز صورة العائلة بتصرفاتك المراهقة، واندفاعك نحو زواج محكوم عليه بالفشل بعد أن تنال غرضك من «حبيبتك المزعومة»؟. لو تمهلت قليلا، ووضعت النقاط على الحروف، ووزنت الأمور بمقاييس العقل والحكمة والعاطفة أيضا، لوجدت أن كفة زوجتك هى الراجحة، وأن «فتاتك» لا تساوى شيئا بالنسبة لها، فالخلافات الزوجية أمر طبيعى، ولا يوجد بيت خال من المشكلات اليومية العابرة، ولكن بالهدوء، وحسن التصرف يتغلب عليها الأزواج الاسوياء، الذين يدركون أن لكل شىء قدره وحجمه، وأن سوء التفاهم بينهم أمر عابر، وسرعان ما يعودون بعده إلى حياتهم الطبيعية. وأحسب أنك تعانى ما يسمى «رهاب الزواج» وتسيطر عليك أفكار خاطئة هى التى اوصلتك إلى ما أنت فيه الآن، إذ تحاول الارتباط بمن تخلت عنك، متجاهلا زوجتك التى رضيت بك، بل وأنجبت لك ولدا وبنتا، من الممكن أن يتشردا فى أى لحظة، لو أقدمت على تطليق زوجتك، فكم من تجارب ندم أصحابها على تطليق زوجاتهم بحثا عن السعادة، فإذا هم يكتشفون أنهم ألقوا بأنفسهم فى الجحيم، ويتقلبون على جمر المشكلات التى أتتهم من حيث لم يحتسبوا.. نعم يا سيدى حدث ذلك، ويحدث كثيرا، نتيجة الوسواس القهرى الذى يسيطر على البعض، ويجعلهم أسرى لأفكار لا يدركون أنها ستجر عليهم المتاعب، وعدم الاستقرار. وأرجو من زوجتك ألا تتوقف عند ما فات، وأن تبدأ معك صفحة جديدة، فأنت مازلت متمسكا بها، ولم تطلقها بعد، كما فهمت من رسالتك، ولكنك «مزاجى القرار» ومن هنا عليها أن تفهمك وتصبر عليك، ولا تحاول استفزازك، فمثلك سهل الاستفزاز، وإن صارت متسامحة، ومحبة لك، وصادقة معك، وهادئة فى حواراتكما معا، فسوف تمتص غضبك، فالحنان والتسامح، وتقريب المسافات أدوية رائعة لمثل حالتك، ويبقى عليك أن تحاول امتصاص غضبك، وألا ترمى كل نوازعك عليها، وحينئذ سوف يكتشف كل منكما لدى الآخر معانى إيجابية لم تكونا قد اكتشفتماها بعد. إن سخطك على زوجتك، وبحثك الدائم عن الوهم المتمثل فى هذه «الفتاة اللعوب» سوف يجران عليك الهم والغم والحزن، وشتات القلب، وسوء الحال، أما رضاك بما قسمه الله لك فسوف يخلصك من ذلك كله، ويفتح لك باب جنة الدنيا قبل الآخرة، فالارتياح النفسى لا يتحقق بمعاكسة الاقدار، ومضادة القضاء، بل بالتسليم والقبول بما قدره الله، وهو خير فى كل الأحوال، والرضا ينزل على المرء السكينة التى لا أنفع له منها، ولو نزلت عليك السكينة فسوف تستقيم حالك، ويصلح بالك، فمن أعظم نعم الله على عبده إنزال الطمأنينة عليه، ومن أعظم اسبابها الرضا عنه فى جميع الحالات.
من أجلكم قد جرعنا فى الهوى غصصا
نحسو الفراق ولا نشكو مآسينا
يسرنا ذكركم دوما ويبهجنا
ومنية القلب دوما أن تلاقينا فارض بحياتك، وأعد المياه إلى مجاريها مع زوجتك، واترك هذه الفتاة لشأنها، وعليها أن تحذر اللعب بالنار، فالأيام تمضى، وهى لا تدرى، وقد توقعها أفعالها فى حبائل من ينعم بها لفترة محدودة ثم يتركها ذليلة كسيرة.. هكذا تؤكد تجارب من انتهجن نهجها، وصنعن صنيعها، فالمال لا يصنع السعادة، لكن آفة أمثالها أنهم لا يدركون ذلك، ولا يقيمون وزنا لما يسمعونه عن الرضا، والقناعة، وراحة البال، حتى يدركهم الموت، ويتمنون لو تعود إليهم الحياة من البداية، فلا يسلكون طريق الأوهام. ولعل الجميع قد وصل إلى محطة «المراجعة».. مراجعة ما فات، والاستفادة مما هو آت، فلتحتضن زوجتك وابنيك، وعلى هذه الفتاة أن تخلص لمن سوف ترتبط به لذاته، وليس لماله، واحذر أن تتصل بها أو تركن إلى كلامها، فمعظم النار من مستصغر الشرر، هداك الله، ووفقك إلى سواء السبيل.