وتتوالي علينا صدمات رحيل الأصدقاء والزملاء. لم يكن الزميل العزيز ماهر الدهبي مجرد صحفي بالأهرام من أوائل من استخدموا الماكيت في إخراج صفحات الجريدة في اخر الخمسينيات من القرن الماضي. كان فنانا يقرأ المادة الصحفية و يحدد وشكل الصفحة التي تجذب القاريء مهما تكن نوعية المادة التي أمامه, كان رحمه الله طوال الستينيات والسبعينيات يقف علي القمة بين سكرتيري تحرير الصحف المصرية مع سمير صبحي, كان بالفعل رقم واحد ليس فقط في كفاءته المهنية التي لانظير لها, ولكن في دماثة خلقه وهدوء طبعه,. عملنا معا في سكرتارية تحرير الأهرام لأكثر من ثلاثين عاما, لم نختلف ولم تتحول المنافسة الي صراع ولم أسمع منه يوما مهما تكن معاناتنا من ارهاق العمل ومشاكله لفظا بذيئا أو اعتداء علي أحد. كنا في السنوات الأولي من التحاقنا بالاهرام نعمل من الواحدة ظهرا حتي تنتهي الطبعة الثالثة في الثالثة صباحا. كانت الأهرام بيتنا الثاني و كنا اسرة واحدة نتناول غداءنا وعشاءنا معا في مكاتبنا بالجريدة في باب اللوق قبل نقلنا الي المبني الجديد في شارع الجلاء, ونرافق الاستاذ نجيب المستكاوي رحمه الله ايام الجمعة في رحلاته لمتابعة مباريات كرة القدم في الإسماعيلية وبورسعيد والسويس, ولم يكن بيننا حتي منتصف الستينيات من تزوج, فكنا متفرغين لعملنا بالأهرام. كان ماهر الدهبي من خريجي اول دفعة من قسم الصحافة بكلية آداب القاهرة عام..1958 الدفعة التي اطلقنا عليها المحظوظةفقد تخاطف رؤساء تحرير الأهرام والأخبار والشعب وروز اليوسف خريجي هذه الدفعة, لم يكن علوم الصحافة تدرس بالجامعة قبل عام1954, وقدمت هذه الدفعة للصحافة المصرية أفضل الأقلام والمواهب الصحفية, وشغل كثير من أبنائها مناصب القيادة في عدة صحف ومجلات: محفوظ الأنصاري رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط, وجلال دويدار رئيس تحرير الأخبار, وسناء البيسي الكاتبة والأديبة ورئيسة تحرير نصف الدنيا ومحمود احمد مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط, وسامي متولي مدير تحرير الأهرام. عندما أصدر الأهرام الطبعة الدولية التي توزع في اوروبا والولايات المتحدة في عام1984 وقع الاختيار علي ماهر الدهبي لإخراجها. وعندما صدرت مجلةنصف الدنيا اختير ايضا ماهر الدهبي مديرا لتحريرها ووضع قواعد إخراجها ولاتزال خطوطه الجميلة في المجلة النسائية تعكس قدراته وامكانياته الفنية غير العادية. آخر لقاء لي مع ماهر الدهبي كان منذ شهرين في عزاء الاستاذ لبيب السباعي, و قبل ذلك بشهر التقينا في عزاء المرحوم الاستاذ احمد بهجت. جلسنا نتحدث عن عصر يقترب من النهاية, وجيل يتساقط كأوراق الشجر في الخريف, وعن مهنة تصارع الحياة بعد ان تعرضت لعملية اغتيال منظم طوال أربعة عقود. لكنه كعادته ظلت ابتسامته الهادئة كما هي لم تتغير. نفس ابتسامة التفاؤل والتي لم يعد لها مبرر الآن., فكل ماحولنا لايدعو لأي تفاؤل. رحم الله ماهر الدهبي بقدر عطائه وإخلاصه لوطنه ومهنته. مصطفي سامي