فقدت الصحافة المصرية وأسرة الأهرام فارسا نبيلا وواحدا من أكثر أبنائها إخلاصا ودماثة في الخلق, كان الاستاذ أحمد حسين من الزملاء النادرين. كان أحمد حسين من العملات النادرة يجمع بين الامتياز والتفوق في العمل وبين دماثة الخلق والسمو فوق الصغائر. وكان عف اللسان والقلم, لايقول غير الحق ولا يخشي في سبيل هذا الحق لومة لائم كان رحمه الله مثل معظم الصحفيين أبناء جيلنا صحفيا مستقلا, لم ينتم الي حزب سياسي أو ناد اجتماعي أو جماعة دينية, لكن انتماءه كان لمصر وللصحافة التي أعطاها ول الأهرام الذي كان أسرته الثانية, وكان منفتحا علي جميع التيارات والتوجهات دون تعصب أو ازدراء لمن يختلف معهم, لم يكن يسعي الي منصب أو جاه أو مال ولكن كان طموحه الدائم, أن يكون له مقعد بين الرجال المحترمين الشرفاء, وكانت أخلاقياته الطيبة وسماحة نفسه تجعله دائم التفاؤل علي قناعة بأن الغد سوف يكون أفضل وأكثر اشراقا, لكن العمر لم يمهله ليري هذا الغد. عمل أحمد حسين منذ تخرجه في قسم الصحافة بآداب القاهرة في منتصف الستينيات ب الأهرام وبدأ مشواره الصحفي في قسم الأخبار القوة الضاربة في أية صحيفة يومية ورأس لأكثر من عشر سنوات قسم الحوادث والقضايا في فترة حالكة السواد, فقد كان الارهاب يلقي بشروره في أرجاء البلاد, وكانت صفحة الحوادث بالأهرام خلال تلك السنوات هي الأسبق والأصدق بين جميع الصحف, فقد كان من كتاب الخبر والرأي الأمناء لا يكتب سوي ما يقتنع به, ولم يكن أبدا من كتبة التقارير الذين أسقطوا أنفسهم في بالوعات الكذب والتسلق والانتهازية. وفي اخر التسعينيات عمل نائبا لرئيس التحرير وعضوا بالديسك المركزي وكان في عمله وسلوكه نموذجا في الاداء المهني الراقي والمحايد وقد ترك الجريدة يوم الخميس الماضي في الخامسة من بعد الظهر قبل الساعة فقط من ذهابه الي المستشفي وتواعدنا علي اللقاء صباح الأحد الذي لم يتم. اختصر حياته خلال السنوات الخمس الماضية بين العمل في الديسك وكتابة مقاله الاسبوعي في مجلة الأهرام الاقتصادي وبين اهتمامه بحفيده وصديقه الحميم أحمد(9 سنوات), فطوال الاسبوعين الماضيين كان يصطحبه في سيارته في السابعة صباحا من منزله في حدائق القبة لاداء الامتحان بمدرسته بالمعادي, وكان يأمل أن يراه شابا وبطلا في الكراتيه ثم طبيبا ماهرا يفخر به, وقد وعده بأن يأخذه مع أسرته الي الغردقة لقضاء أجازة لبضعة أيام بعد عناء الامتحانات, وعندما عاد من الاجازة لاحظت الارهاق الشديد علي ملامح وجهه, وعلمت منه انه عاد في نفس اليوم من الزقازيق, وليست الغردقة, فقد اضطر للسفر الي بلدته ليرافق شقيقته بالمستشفي أثناء الجراحة الدقيقة التي أجريت لها وعاد من هناك بنفس الابتسامة الراضية ليلقي ربه بعد أربعة أيام. المزيد من مقالات مصطفي سامي