نحن نعاني في الدنيا الكثير.. نعاني الزحام, نعاني الآلام.. الجسدية منها والنفسية, نعاني انعدام الضمير لدي البعض, نعاني عدم الوفاء, نكران الجميل, قلة الحياء, عدم الوفاء بالوعود والعهود, الضوضاء, التلوث, الغلاء, من حرارة الصيف وبرد الشتاء, نعاني الشيخوخة وأمراضها وأعراضها, نعاني عدم تحقق الآمال, نعاني ضياع ما نملك من ثروة أو منصب أو نفوذ, نعاني الملل, والاكتئاب أو سوء المزاج.. إلخ. وهذا قليل من كثير جدا مما نعانيه في الدنيا أو نشكو منه. وفي الآخرة, وفي الجنة بالتحديد, فلا شيء من هذا علي الإطلاق.. بل نعيم متجدد لا يخالجه كدر, وشباب دائم, وصحة دائمة, وحياة بلا نهاية.. أليس في هذا حافز كاف لكي نبذل أقصي طاقتنا في الدنيا لكي نصل إلي الجنة في الآخرة؟! فإذا دخلناها لم نخرج منها ولم نغادرها أبد الدهر إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا( الكهف:108,107).. وماذا في الدنيا من متاع يشغلنا عن نشدان نعيم الجنة؟ والله إنه متاع باهت, لا دوام له, وهو متاع مكبل بكل القيود والنواقص, والهموم والهواجس, وهو متاع لحظي حين ينتهي وكأنه لم يكن.. هذا المتاع يغري ناقصي العقول.. ويبهرهم ويخلب لبهم, فيغرقون فيه إلي آذانهم, ولا يرضون به بديلا.. وهم يعرضون عن الآخرة.. هم يسمعون عن الجنة والنار, ولكن لا الجنة يحفلون بها ولا النار تخيفهم.. هم يظنون أنهم باقون في الدنيا, برغم أنهم يذهبون للعزاء في أناس يعرفونهم وكانوا ملء السمع والبصر.. ولكنهم عن هذا لاهون, وبحظوظ الدنيا مشغولون.. أقول لقد طمس الله علي قلوبهم فهم في غمرة من هذا كله.. وإنهم عن السمع لمعزولون.. يسمعون كلام الله فلا يبالون, وقد قال الله فيهم إنك لا تسمع الموتي ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون (النمل:80 81).. هم لا يسمعون وإن سمعوا لا يستوعبون, بل هم ينفرون إذا ذكر الله واليوم الآخر.. ولسان حالهم يقول مالنا ولهذا؟! وكأنهم ماكثون في الدنيا إلي ما لا نهاية.. وعندما يدخلون النار ويكتوون بلهيبها الذي يحرق أكبادهم, يتمنون الموت الذي يخلصهم من العذاب ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون (الزخرف:77).. وهم في النار بائسون يائسون, نادمون محرومون.. هم استسلموا للشيطان واتبعوه فيما يزينه لهم, مع أن الله حذرهم من هذا المآل يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير (فاطر:5 6).. هم في لهيب النار ولهيب الندم الذي لا يسكت عنهم, وهم يحاولون الخروج من جهنم فلا يستطيعون كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير (الحج:22 23)..