فى إطار برنامج ندواتها الشهرية، استضافت الجمعية الفلسفية المصرية ندوة حول سبينوزا والرشدية اليهودية للباحث د.أشرف منصور الأستاذ المساعد بقسم الفلسفة بآداب الإسكندرية، والذى ناقشه د.أحمد الأنصارى أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة، بحضور أ.د. حسن حنفى أستاذ الفلسفة غير المتفرغ بآداب القاهرة وسكرتير عام الجمعية الفلسفية المصرية، والأب أ.د.جوزيبى سكاتولين أستاذ الفلسفة الإسلامية والتصوف بإيطاليا، ونخبة من المهتمين والباحثين. ناقشت الندوة الأسباب وراء الأفكار الفلسفية المشتركة بين سبينوزا (1632 – 1677)، وابن رشد (1126 – 1198)، وتأثير ابن رشد فى سبينوزا وخاصة ما يتعلق بأفكار مثل: قدم العالم، ووحدة الوجود المؤسَّسة على التصور الطبيعى عن فاعلية الإله فى العالم من خلال قوانين الطبيعة، ؛ ورفض النظرة التشبيهية والتجسيمية للألوهية؛ وأولوية العقل ؛ والوصول بالتفسير المجازى للنص الدينى إلى حده الأقصى؛ والتمييز بين النص الدينى والفلسفة على أساس الخطاب السائد فى كل منهما، وإرجاع هذا الاختلاف إلى اختلاف المتلقي: فالنص الدينى موجه للجمهور من العامة والفلسفة تتوجه للخاصة. وتطرق الباحث إلى صعوبة العثور على طريق انتقال الأفكار الرشدية إلى سبينوزا رغم تجليها الواضح، خاصة وأن سبينوزا لم يذكر اسم ابن رشد فى أى من مؤلفاته. وقد حاول الباحث التأكيد على أن حلقة الوصل بين ابن رشد واسبينوزا تمثلت فى الرشدية اليهودية، التى سمحت لسبينوزا بالتعرف إلى أفكار ابن رشد عبر تراث فلسفى يهودى طويل سابق عليه سيطرت فيه الرشدية منذ القرن الثالث عشر وحتى القرن السادس عشر، ومن ممثليه: موسى بن ميمون (1138 – 1204) الذى درس سبينوزا كتابه دلالة الحائرين، وتعرف منه على أفكار ونظريات فلاسفة الإسلام وأهمها: نظريتهم فى التأويل، التى ورثها منهم ابن ميمون وطبقها على التوراة، وغيره من الفلاسفة اليهود الذين كان سبينوزا على معرفة وثيقة بهم وقرأ أعمالهم بدقة وعمق، أمثال: ليفى بن جرشوم (1288 – 1344)، وحسداى كريسكاس (1340 – 1410/1411)، وإليشع دل مديجو (1460 – 1497). وهكذا، يتضح أن فلسفة سبينوزا لا تمثل أى انقطاع عن هذا التراث بل تمثل حلقة منه، واستمراراً فى التوجهات العقلانية والطبيعية والإنسانية التى سادت الرشدية اليهودية والتى جعلت سبينوزا هو الجسر الذى عبرت منه حداثة ابن رشد وتوجهاته التنويرية التى كانت فى غير أوانها إلى أوروبا. وإذا كان سبينوزا يُنظر إليه الآن من قبل باحثى الغرب على أنه هو مفتتح عصر التنوير وأحد المؤسسين المهمين للحداثة الأوروبية، وهو ما تم باعتباره آخر الرشديين اليهود، فذلك أيضاً إثبات بالأدلة التاريخية لما تدين به الحداثة الأوروبية من تنوير وحداثة لابن رشد. الجدير بالذكر أن الجمعية الفلسفية المصرية تم تأسيسها لأول مرة فى عام 1944 بمبادرة منصور فهمى باشا، ثم توقفت أنشطتها لظروف الحرب العالمية الثانية، وتمت إعادة تأسيسها عام 1976، بمبادرة من د.إبراهيم بيومى مدكور. ويتكون نشاط الجمعية من الندوة الشهرية (الأحد الثانى من كل شهر) وتعقد فى مقرها بمساكن هيئة التدريس بالجيزة، والندوة السنوية، وإصدار مجلة الجمعية الفلسفية المصرية السنوية. وتعمل الجمعية على إصدار مطبوعات لدراسات الأساتذة المصريين، وذلك نظرًا لقيام اتحاد الجمعيات الفلسفية العربية بالنشر للأساتذة العرب، وتهدف هذه الإصدارات إجمالًا إلى تشجيع النشر الفلسفى خاصة الرسائل العلمية والكتب الجامعية المهداة.