حث الباحثان المغربيان المتخصصان في الفكر الفلسفي، إدريس كثير وعادل حدجامي، على ضرورة إعادة الألق والتوهج للسؤال الفلسفي وشعلة الفلسفة في الواقع العربي المعاصر، وإيلاء الأهمية للفكر النقدي وللحرية الفكرية، لأنه من دونهما لا يمكن لأية نهضة فكرية عربية أن تتحقق. وأثار الباحثان في الندوة التي نظمتها مؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" بالعاصمة المغربية، إذ طرحت موضوع "أي دور للفكر الفلسفي في الواقع العربي المعاصر؟"، الكثير من الأسئلة والإشكالات حول الفلسفة في عالمنا العربي المعاصر، خاصة أن خفوت شعلتها، كما قال كثير، وعدم الاهتمام بالحقيقة والخلود بالمعنى الأرسطي، واللذان تشتتا مع العلوم الحقة والدقيقة، وتطرحان اليوم أكثر من سؤال. وانطلاقاً من "شعلة الفلسفة" التي اتخذها الباحث إدريس كثير عنواناُ لمداخلته، تساءل عن هذه الشعلة: متى انطلقت، وكيف استمرت؟ ولماذا خبت؟ وما دورها في الفكر العربي المعاصر اليوم؟ وقدم سفراُ ممتعا في الفلسفة، بدءاً من الفلسفة اليونانية مع الفيتاغوريين (نسبة إلى فيتاغوراس)، إلى الفلسفة الأندلسية، ثم العربية والمغربية تحديداً. وأوضح كثير أن "شعلة الفلسفة انقدحت في اليونان وحاول فيتاغوراس بعد أن لخصها في الأعداد أن يكتمها في الموازين الموسيقية، وأن يؤسس لها جماعة من اليقظانيين لرعايتها وحراستها"، متسائلاً هل كان أفلاطون واحداً منهم، وهل كان أرسطو آخرهم في اليونان؟ وأثناء تقديمه للكثير من التفاصيل حول أفلاطون، وأرسطو، وتشربهما لفكر اليقظانيين، اختار أن يتحدث عن امتدادات الفكر الفلسفي من خلال عمل روائي لجاك أطالي يحمل عنوان «أخوية اليقظانيين»، يستحضر فيه الكاتب مجموعة من الفلاسفة كابن رشد، وابن طفيل، وغيرهما من الفلاسفة، وبعض الشخصيات المتخيلة، ويطرح الكثير من الأسئلة الفلسفية العميقة التي يحاول الإجابة عنها، معتبرًا أن الرواية تتناول أيضًا «إكسير الخلود». وأشار كثير إلى أنه بعد اليونان انتقلت شعلة الفلسفة إلى الأندلس عن طريق الترجمة مع ابن رشد بالنسبة للعربية، ومع ابن ميمون بالنسبة للعبرية، معترفاً بفضل ابن طفيل وكتابه "حي بن يقظان" والترجمات التي تمت حول هذا الكتاب من السهروردي وابن النفيس، على الفكر الفلسفي العربي، مؤكداً أن الفيلسوف والسياسي ابن طفيل هو الذي ورط ابن رشد للسعي وراء الكتاب المفقود "رسالة في الخلود المطلق". وبعد استعراضه لكل هذه التصورات وعلاقتها بالمقدس والكلام الإلهي، تساءل كثير قائلاً: أين نحن الآن من هذه الشعلة؟ ولماذا خبا تأثير هذه الشعلة الفلسفية التي عرفت نوعاً من التوهج والألق في فاس والرباط في وقت من الأوقات بالمغرب؟ وكشف أنه بعد ابن رشد، غفونا إلى أن جاء المفكر المغربي الراحل محمد عزيز الحبابي، ولكنه لم يهتم بابن رشد، كما فعل المفكر الراحل محمد عابد الجابري، الذي خلق المدرسة التأويلية بالرباط، في حين خلق جمال الدين العلوي بفاس مركزاً للدراسات الرشدية، كان من ضمن باحثيه محمد المصباحي. لكن أين نحن من كل هذا؟. وخلص كثير في مداخلته إلى أننا لم نعد نهتم بالحقيقة ولا بالخلود بالمعنى الأرسطي، خاصة حينما تشتت مع العلوم الحقة والدقيقة، معتبراً أنه يمكن أن نعيد لشعلة الفلسفة ألقها وتوجهها، ويكون لها أثرها في الوقت الحالي، إذا ما استوعبنا كتاب النفس. ومن جهته اختار الباحث المغربي عادل حدجامي أن يبدأ مداخلته التي كانت عبارة عن تساؤلات منهجية وفكرية دقيقة، وحملت عنوان "الفلسفة العربية المعاصرة إشكالاً واستشكالات"، بالتنويه بعمل مؤسسة مؤمنون بلا حدود، والإشادة بانفتاحها على كل الأفكار والتصورات المختلفة، قائلاً: "جميل جدا أن تجد في موقع مؤسسة مؤمنون بلا حدود نصاً لنيتشه إلى جانب نصوص أخرى مختلفة، وهذا كنز حقيقي أمام اليباب الذي نعيشه". وأضاف أنه ولو لم يكن عضواً في هذه المؤسسة الحديثة، إلا أنه يشعر بانتماء أخلاقي لها. وطرح حدجامي، انطلاقاً من موضوع الندوة "أي دور للفكر الفلسفي في الواقع العربي المعاصر؟"، كيفيات للإجابة عن هذا السؤال الإشكالي، منها كيفية فلسفية تجعل من السؤال فرصة لطرح السؤال أو توليد أسئلة أخرى، لأن المهم في مجال الفلسفة هو طرح السؤال، ثم تساءل: هل لا بد لكل شيء من دور؟ وهل يمكن أن يكون كل شيء نافعاً، خاصة أن الفكر كما تصوره القدماء قد يكون ممارسة نبيلة يمارسها الإنسان لذاتها؟ وأوضح حدجامي أن الفلسفة حينما يتم ربطها بالعالم العربي تطرح إشكالات عديدة، لأنها برأيه فلسفات، فهناك فلسفة تمارس كترجمة، وتأليف تقني من خلال الاشتغال على المتون القديمة ولا تستحضر أسئلة الواقع القريبة، ثم "هناك فلسفة تضع يدها في عجين التاريخ والمجتمع وتتساءل عن الحقوق وغيرها من المواضيع"، مشيراً إلى أن بين هذين التوجهين خصاماً. وبعيداً عن طروحات كل من المفكرين محمد عابد الجابري وعبد الله العروي، حاول حدجامي التقرب من سؤال التفكير الفلسفي العربي المعاصر من خلال حوار دار بينه وبين صديق له يكشف عن الكثير من المزالق المتعلقة بالحداثة وما بعد الحداثة والعقلانية، والتي تشي بتفكير معادي للفكر في الأصل، تفكير لا فلسفة فيه أصلاً، إنه أقرب إلى الرأي العام من الفلسفة. وأشار حدجامي إلى أن الفكر النقدي في العالم العربي لم يبدأ إلا في ستينيات القرن الماضي، لأن التفكيك والنقد أو الفلسفة التي تأخذ على عاتقها تبيان الفوارق والمفارقات، كانت منبوذة، وكان السائد هو الفكر العضوي والعملي مع الماركسية. ونبه إلى الكثير من الأخطاء السائدة، أولها يتعلق بالحداثة وما بعد الحداثة التي لم نتشرب أيا منهما بعد في العالم العربي، والأنا والآخر، والعقلانية، وغيرها من الأمور التي تتسلل إلى ثقافتنا.