statu quo عبارة لاتينية تعنى بقاء الأمر الواقع على ما هو عليه دون تغيير وتستخدم فى كل لغات العالم. هدف هذا المقال هو محاولة معرفة لماذا يبقى واقع التعليم المصرى دون تغيير على مدى عقود رغم أننا لا نكف يوماً عن الحديث عن تطويره وتثويره؟ وفى شرم الشيخ الآن مؤتمر عن التنمية والاستثمار. فهل ينجح هذا بدون تعليم جيد وعصري؟ وهل سيتاح لهذا المؤتمر الهام أن يتبنى عدة مبادرات للاستثمار فى التعليم؟ ثمة إشارات ومبادرات سياسية مؤخراً تدعو إلى التفاؤل لا سيما حين نطالع الحوار الصريح والجريء للدكتور طارق شوقى رئيس المجلس الاستشارى الرئاسى للتعليم (المصرى اليوم العدد السابع من الشهر الجاري) والذى خرج فيه على التابوهات والموروثات التعليمية التى لم تترك لنا سوى التدهور والانهيار. لكن هذا التفاؤل مشروط باقتحام القضايا الشائكة المسكوت عنها زمناً فى ملف التعليم. مربط الفرس فى المسألة التعليمية فى بر مصر أن هناك عدة تساؤلات استمرأنا تجاهلها على مدى عقود من الزمن. وكنا فى المقابل ننشغل بمجموعة مُسكنات ومُلطفات أشبه بمساحيق التجميل وأحياناً إطلاق إصلاحات لها فرقعات وألوان الألعاب النارية فتأخذنا فى البداية بسحر ألوانها وأشكالها ثم لا تلبث أن تنطفئ لتعود سماء تعليمنا مظلمة من جديد. من يعيش فى دهاليز المؤسسة التعليمية يدرك مثلاً أن موضوع الجودة التعليمية فى الجزء الأكبر منها ليست سوى عملية الشكل فيها أكبر بكثير من المضمون. يكاد مشروع الجودة التعليمية برغم كل ما أنفق عليها تبدو شكلاً من أشكال الاحتيال المنظم بكل معنى الكلمة. يتواصل ذلك عبر خمسة عشر عاماً تقريباً دون تصحيح أو مراجعة أو مساءلة. أول تساؤل بطعم الإجابة هو كم وزيراً للتعليم شهدتهم مصر فى العقود الثلاثة الماضية؟ ربما نحو عشرين وزيراً أى بواقع وزير كل سنة ونصف. الشق الثانى من التساؤل: كم مرة جمعنا فيها بين وزارتى التربية والتعليم والتعليم العالى ثم فصلنا بينهما؟ فى الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات كنا نجمع بينهما ومنذ هذا التاريخ أصبحنا نفصل بينهما. كيف يمكن والحال كذلك أن نتوقع إصلاحاً تعليمياً مؤسسياً متسقاً ومتكاملاً وقابلاً للاستمرار؟ كيف سيُصبِح التعليم هو مشروعنا القومى إذا كان كل وزير جديد للتعليم يبدأ مهمته بإعادة اختراع العجلة ويعود بنا لمربع الصفر من جديد؟ ربما يُصرّح بعض الوزراء الجدد فى مستهل ولايتهم بأنهم سيستفيدون من خبرة الوزير السابق ولن يغيروا سياسة الوزارة لمجرد التغيير. هذه مقولة لا تخلو من خطورة ونفاق لأننا نفهم ان الخبرة الجديرة بالاستفادة منها هى خبرة النجاح أما سابق الخبرة فى الفشل فليست أمراً يثير الرضا على الإطلاق. التساؤلات السابقة الناطقة تعنى أننا نمضى من تعثر إلى تعثر. ومع تمنياتنا لوزير التعليم الجديد بالنجاح وان يكسر حلقة التسليم والاستلام بين فشل سابق وفشل جديد فلا أحد بوسعه أن يتوقع كم من الوقت سيبقى فى الوزارة. يأتى وزراء التعليم ويغادرون فرادى وجماعات والتعليم محلك سر. والسياسة التعليمية لم نعرف لها يوماً ملامح محددة (إلا بالمعنى السلبي) رغم أننا جميعاً ندرك بيقين علل ومشكلات نظامنا التعليمي. فما هو السبب؟ هذا ما يقودنا إلى التساؤل التالي. التساؤل الثانى : بماذا نفسر أن كل وزير للتعليم فى مصر لديه تلال من الدراسات والأبحاث والتوصيات والتقارير التى لم تترك شاردة أو واردة فى ملف التعليم إلا وأحسنت تشخيصه واقترحت له الحلول ثم نعانى من هذا الفقر المدقع فى الخيال وافتقاد الهمة وإرادة التنفيذ؟. حسناً.. سيقول البعض لأننا نفتقر إلى الامكانات والموارد المالية. وهذا بحد ذاته صحيح. فالتقارير الدولية تقول مثلاً إن تجربة فنلندا الرائدة فى التعليم يصعب تطبيقها على معظم دول العالم لأن فنلندا دولة ثرية لا يزيد عدد سكانها على ستة ملايين مواطن. لكن هل نحتاج الى موارد مالية للقضاء على تجارة الدروس الخصوصية وهى أكبر جريمة تعليمية منظمة فى حياتنا؟ وهل يتطلب الأمر مخصصات إضافية للموازنة لإعادة الاعتبار لقيمة ومصداقية الشهادات المتوجة بالدرجات النهائية الممنوحة لطلابنا والتى تثير سخرية العالم؟ كم من المال نحتاج لكى نعيد كرامة وسمعة بعض الجامعات المصرية التى أصبحت تمنح شهادات الدكتوراه لمصريين وعرب مشكوك أصلاً فى جدارة الكثيرين منهم بحمل درجة الليسانس أو البكالوريوس؟ بالقطع لا نحتاج إلى أموال لإجراء مثل هذه الإصلاحات أو بالأحرى الترميمات. هنا أيضاً مربط الفرس فى المسألة التعليمية فى مصر. فالمسؤولون يعرفون حقيقة التشخيص ووسائل المواجهة الحقيقية لكنهم لسبب أو لآخر يفضلون الإبقاء على حالة statu quo. ربما يهتم بعض المسئولين بإقامة مبنى جديد ينقش عليه اسمهم وكأن تنمية الحجر تأتى قبل تنمية البشر. وهذه مغالطة كبري. أولويتنا اليوم هى فى خوض معركة إصلاح تعليمى حقيقي. إصلاح لا نبالغ إذا قلنا إنه يحتاج إلى ثورة. فلماذا يتجاهل المسئولون ذلك رغم انهم يدركونه ويقولونه سراً؟ هنا تتعدد التفسيرات.البعض يفعل ذلك طلباً للسلامة والأمان والبعد عن وجع الدماغ لكن ماذا عن وجع البلاد؟ لا أحد يكترث. البعض الآخر يبدى حرصاً على البقاء فى المنصب (بإغرائه ومغانمه) بأكثر من حرصه على الصالح العام. البعض الثالث يتحلى بالنزاهة الأخلاقية لكنه يفتقد الجسارة المهنية. لهذا يوجد مسئولون صالحين كأشخاص لكنهم أضعف من مواجهة الفساد الضارب بجذوره فيتساهلون ثم يتسترون وقد يتواطأون فى نهاية المطاف. هكذا تمضى ثلاثية التساهل والتستر والتواطؤ فى مشهد صامت حزين. قالوا: العلم الذى لا يتحلّى بالضمير هو الدمار نفسه. لمزيد من مقالات د. سليمان عبد المنعم