استقبل الناس التعديل الوزارى الذى صدر صامتاً ومفاجئاً يوم الخميس الماضى فى ظروف بالغة الصعوبة والحساسية .. استقبله الناس بدهشة وحفاوة وإعجاب، اذ جمع مؤشرات ومعطيات جديدة على تاريخ التشكيلات الوزارية وتعديلاتها التى كانت تسبقها دوماً المشاورات والمقابلات بالجملة، فضلاً عن انتشار التكهنات والترشيحات والاستبعاد والبحث عن المستوزرين ، وربما تنتهى إلى ضربة حظ جاءت لأسباب عفوية لم تكن فى الحسبان، لكن هذا التعديل خرج علينا بستة وزراء جدد، وإضافة وزارتين، وقد تم ذلك بشكل جديد وفجائي، وبغير إعلان مسبق .. أو مقابلات علنية، ومن المؤكد أنه قد سبقه تقييم معلومات وتحريات مسبقة، اذ صدر فى ظروف بالغة الصعوبة، فالانتخابات البرلمانية على الأبواب يجرى الاستعداد لها.. والمؤتمر الاقتصادى بعد أيام .. واجتماع القمة العربية قادم على أرض الكنانة، فضلاً عن الظروف الإقليمية التى تشهد أجواء ملتهبة وصراعات دولية متصادمة، من شأنها أن تجعل استصحاب الحال .. ولو مؤقتاً .. أمراً مقضياً داعماً للاستقرار ، ومع ذلك فاجأنا التعديل الوزارى من قلب الأحداث، وشمل التغيير وزارات سيادية ومهمة .. أعلن بعدها أن الغاية من ورائه تأمين الوطن ومكافحة الارهاب وتطوير التعليم وتنشيط السياحة وتحديث الاتصالات والاهتمام بالتعليم الفنى والتدريب.. ودعم الاقتصاد .. كل ذلك فجأة وفى لحظات من الصمت وبغير مقدمات . ويعكس سيناريو التعديل الوزارى الجديد ، ثقة الحكومة والإيمان بمسئوليتها عن تحقيق المطالب والحاجات ، وأنه حتى لو كان الوزراء السابقون أفضل العناصر ، حسبما أشار إليه رئيس مجلس الوزراء فى مقابلتهم بعد التعديل فان البحث عن أفضل أداء وأعلى كفاءة لإدارة شئون البلاد كان أدعى لإعلاء المصالح العليا للبلاد وتحقيق حاجات الناس ، وهى مسئولية الدولة والحكومة مسئولية تضامنية، لهذا كان لهما حق الاختيار.. ولنا حق السؤال والحساب ، وعلى الحكومة أن تقدم للناس كشف حساب عن أدائها بعد مرور عام على تعيينها منذ أول مارس 2014 . وقد حظى التعديل الوزارى فور صدوره بالاهتمام والتحليل والتعليق ، وتسابق البعض بالإعلان عن القصص والروايات وكشف الأسرار، وأن مشاورات التعديل قد استغرقت 14 يوماً بين 20 مرشحاً، وأن ذلك كان سراً وفى غير علن ، ولقد عبرت جريدة الأهرام عن رأيها رسمياً فى التعديل، نُشر فى صحافة الجمعة اليوم التالى مباشرة، وصفته «بالقوة والثقة وأن قرار التعديل يحمل فى طياته رسالة تؤكد الشفافية والاستجابة لمطالب الأمن والتنمية، ومواجهة العيوب وإصلاح الأخطاء بحسم وسرعة دون تردد، وتأكيد ثقة الدولة فى نفسها وقدرة مؤسساتها على أداء دورها بغض النظر عن شخص القائم فى مركز القرار، وإشارة إلى المرونة والحيوية التى تتناسب مع خطورة المرحلة» .. وهذا كله حق . ويذكرنا ذلك التعديل، بتعديل سابق منذ أيام جرى لعدد من المحافظين ، استغرق وقتاً من المناقشات والمقابلات والتأجيل قبل إجرائه .. وأخيراً صدر التعديل وسط زخم إعلامى كبير، وللحق فلقد أتت الاختيارات من وجهة نظر شخصية غير موفقة لبعض المحافظين ، اذ أتيحت لى فرصة مقابلة البعض فى محافظات هامة ، لم تكن الشخصية على مستوى المسئولية، اذ يتعين أن يكون المسئول على مستوى عال من الكفاءة يتطلب فى شاغل الموقع ، العلم والخبرة وحسم الأمور ، حال كون المحافظ مسئولاً عن تنفيذ سياسة الحكومة فى محافظته ، وقد امتدت ملاحظات وأنتقادات عديدة بعد التشكيل رغم ما استغرقه الوقت فى الاختيار .. على عكس ما جرى فى التعديل الوزارى الجديد . المهم صدر التعديل الوزارى .. لكن الأهم من التعديل ذاته ، الحاجة الملحة لوضع الخطط والاستراتيجيات والبرامج والأهداف فى المرحلة المقبلة ، العاجل منها والأجل ، وتحديد دور الدولة بسياسات محددة ، وجهاز حكومى قادر على وضع سياسات ملائمة ، وتحديد الأولويات الإستراتيجية وأهدافها ، وكيفية التغلب على معوقاتها ، لتمضى نحو الأمان والتنمية وتحقيق السلام الاجتماعي، ورفع مستوى معيشة الفرد، وتوفير الخدمات الاجتماعية ورفع المستوى الثقافى وإصلاح الجهاز الحكومي، لأن التردد فى تطبيق الإصلاحات الجذرية والخوف من تبعة هذه الإصلاحات ومواجهة الفساد الظاهر والمستتر ومحاربته ، يضع مصلحة الوطن فوق الجميع ، ولأن الاضطراب .. والتردد .. وغياب الخطط والبرامج والأهداف الواضحة والمحددة ، والتى يجب ألا تتغير بتغير الأشخاص .. كل ذلك يعود بنا إلى الخلف، الأمر الذى يتطلب من الدولة البحث عن العلماء والحكماء ومتخصصى الدراسة ومناقشة القضايا ووضع الحلول.. لمشكلات الحياة الاقتصادية .. الاجتماعية .. والسياسية.. فإذا ما ظل الاضطراب واضحاً والتخطيط متردداً وكان ذلك سر التقدم إلى الخلف والعودة إلى الوراء ، رغم تقدم الدول من حولنا .. لأنها قد توقفت عن الكلام..وعكفت على العمل بخطط مدروسة ومعلنة ، ويمضى بنا الزمن طويلاً تحدثنا فيه عن إستراتيجيات .. وخطط وبرامج.. وأهداف خمسية، وعشرية .. وطويلة الأجل ، وعن طموحات وآمال عريضة، ثم ننظر حولنا فلا نجد شيئاً قد تحقق.. بل إن هياكل الوزارات ذاتها تبدلت وتغيرت بتغير المسئول.. فوزارة الثقافة والإعلام تم الفصل بينهما بعد أن كانتا وزارة واحدة ، ثم وزارة التربية والتعليم والتعليم العالى كانت وزارة واحدة ثم جرى الفصل بينهما، ووزارة الشباب والرياضة كانت وزارة واحدة ثم تم الفصل بينهما ثم تم دمجهما، ووزارة الصحة والسكان كانت وزارة واحدة ثم تم الفصل بينهما.. إلى غير ذلك من التخبط غير المدروس والسياسات التى كانت سبباً للتقدم إلى الخلف على مدى فترات طويلة مضت . وبعد كل هذا التاريخ الطويل والتعديل الوزارى الأخير، حتى ولو كان مهما، فان الأهم أن نسارع إلى وضع الاستراتيجيات والخطط والبرامج والأهداف التى لا تتغير بتغير الأشخاص.. وتستهدف تحقيق الطموحات والآمال بالعمل الجاد والجهد الدءوب.. كل ذلك أهم من التعديلات الوزارية حتى ولو كانت صامتة وفجائية ومهمة ، وكفانا كلاما فى كلام مع طول الزمان وقبل فوات الأوان!! لمزيد من مقالات د . شوقى السيد