في المؤتمر الخامس لجماعة الإخوان المسلمين الذي عقد.1939 ومع تنامي قوة الجماعة وتجسيد هذه القوة في نظام الجوالة والكتائب, ظهر انشقاق خطير داخل الجماعة حيث رأي شباب الإخوان أن الخلاص الروحي لمصر يكون بقوة السواعد اذا استدعي الأمر, لجأوا في هذا السياق الي الحديث النبوي الشريف, من رأي منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان. عارض الإمام حسن البنا في هذا النزاع تطبيق الحديث, مؤثرا العمل بالآية القرآنية الكريمة: أدع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن.. كما رفض فكرة فرض الإصلاح بالقوة وأوضح ان الحركة دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية, ومنظمة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية وشركة إقتصادية وفكرة اجتماعية وانتهز الفرصة لكي يحذر المتسرعين والقلقين بأن الطريق مازال طويلا وأنه لاطريق سواه وان النجاح لايتأتي إلا بالصبر والتخطيط وان العمل وليس الكلام والتحضير وليس الشعارات هما الكفيلان بإحراز النصر. لكن الشباب الثائر رفضوا التأني والتمهل, والإعداد الرشيد والتخطيط السليم قبل التنفيذ وواصلوا الضغط علي الإمام للإسراع في التنفيذ الفوري فاضطر الي مواجهتهم في كلمته الختامية الشهيرة بأن قال. في الوقت الذي يكون فيكم معشر الإخوان المسلمين ثلاثمائة كتيبة جهزت كل منها نفسها روحيا بالإيمان والعقيدة وفكريا بالعلم والثقافة, وجسديا بالتدريب والرياضة في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لجاج البحار وأقتحم عنان السماء وأغزوا بكم كل عنيد جبار فإني فاعل ذلك إن شاء الله. حيث إن الشباب ليس لديه الصبر وغالبا لايتبصر بعواقب الأمور, ففي خريف عام 1939 انفصلت مجموعة من الشباب المنشق عن الجماعة ومنهم محمود أبو زيد المشرف علي تحرير مجلة النذير الذي أخذ معه المجلة ورخصة الجماعة الخاصة باصدارها وشكلوا جمعية شباب سيدنا محمد ويسجل التاريخ ان هذا الانشاق كانت له أسباب اخري غير التعجيل بالاصلاح, أهمها فكرة مدي جواز عقد التحالفات مع قوة أو أخري من القوي السياسية الموجودة في البلاد وكان الإمام يفضل تجنب مثل هذه التحالفات ويري ان من بين الفضائل الأساسية للجماعة عدم التورط مع الأحزاب والجماعات حتي تبقي الدعوة خالصة نقية. ويحدثنا التاريخ ان انشقاق عام 1939 كان سببا كافيا لإزعاج الإمام لكنه لم يؤد إلي عرقلة نشاط الجماعة, واثبتت الأيام صدق حدس البنا الذي لم يغير رأيه في التدرج في الإصلاح, وكأنه كان يريد ان يعطي درسا مصيريا عبقريا للأجيال التالية, مضمونه ان المطالبة بالحق جملة يجعل الناس تنفر منه فيضيع جملة. المستشار محمود العطار نائب رئيس مجلس الدولة