«الشهيد» كان ولا يزال مصدر الإلهام الحقيقى للشعراء والموسيقيين والمطربين، ولم تبرح سيرته العطرة خاطرهم فى أى وقت من الزمن، وعلى اختلاف المعارك والبطولات عبروا بإبداعهم عبر أجيال مختلفة ذاهبين بخيالهم الرحب إلى عنان السماء حيث تسكن روحه فى مقرها الأخير بجوار الملكوت الأعلي، ولعل تلك الأغنيات والأناشيد قد أثارت رغبة التحدى والقتال عند الجمهور، وشفت نفوسهم مما ألم بها من الغيظ والحنق على المعتدين والمغتصبين والمغيرين على أولادهم سواء كانوا على جبهة القتال أو آمنين فى بيوتهم وأعمالهم من أبناء الشعب العزل. وما بين الأمس واليوم من خلال توثيقنا لأغنيات « الشهيد» نلحظ مدى الفرق والتغيير الحاصل فى مستوى هذا اللون الروحانى من الغناء الذى يتطرق لتلك القيم النبيلة التى تربى عليها الشهيد، فأغلب ما قدم خلال ثورتى 25 يناير و30 يونيو وإلى الآن يعد مجرد تعبير عن رد فعل سريع مع الحدث سواء كان من مطربين معروفين أوهواة، أو فرق غنائية، ومع صدق النوايا لدى الكثيرين بالمساهمة فى مثل هذه المواقف، إلا أنها أعمال لا ترقى للمستوى المطلوب قياسا بالقيمة والصورة التى عبرت عن الشهيد وعظمة الشهادة فى أغانى الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضى باستثناء تجربتى فيروز ومارسيل خليفة. فرغم أن الساحة الغنائية أفرزت منذ قيام ثورتى 25 يناير و30 يونيو حتى الآن، كما كبيرا من الأغنيات التى تتحدث أوتمجد الشهيد، لم يتم تقديمها بهذه الكثافة على مر تاريخ الغناء المصري، إلا أن كثيرا منها جاء دون المستوى بالمقارنة بالأغنيات القديمة التى تناولت نفس الأفكار. يناير تجدد الغناء للشهداء لكن مع تجدد الغناء عن الشهيد مع اندلاع ثورة يناير، كانت هناك بعض المحاولات التى تجدر الإشارة لها سلبا أو إيجابا، فبعد سقوط أول الشهداء انطلقت أغنية «بحبك يا بلادي» التى قدمها عزيز الشافعى ورامى جمال، والتى تبعث برسالة على لسان الشهيد لأمه، وتمت إذاعتها لأول مرة فى برنامج «مصر النهاردة» يوم 12 فبراير 2011 فى كليب قصير من إنتاج البرنامج نفسه ، ونالت الاغنية رد فعل قويا عند الجمهور، ويقول مطلعها: يابلادي.. يا بلادى أنا بحبك يا بلادي/ قولوا لأمى متزعليش / وحياتى عندك متعيطيش / قولولها معلش يا أمى / أموت أموت وبلدنا تعيش» وربما كان سر النجاح عند الشافعى ماجاء فى مطلع الأغنية من جملة لحنية اقتبسها من العبقرى لحن بليغ حمدى الملئ بالشجن عبر أغنية «بحر البقر» التى قدمت فى فيلم «العمر لحظة»، فرددتها الجماهير فى الميادين بشكل تلقائى يستدعى الماضي، وأصبحت أغنية الثورة بجدارة ، ومن هنا فقد عدت من أجمل الأغنيات الوطنية التى قدمت بسبب جملة بليغ حمدى الموسيقية المبهرة، وأيضا لأن الشافعى نحت أغنية «فدائي» لعبدالحليم حافظ فى المقطع الذى يقول « وإن مت يا أمى ما تبكيش راح أموت عشان بلدى تعيش». وعلى أثر سقوط حفنة من الشهداء فى 25 يناير ، أصدر المطرب حمادة هلال على موقعه الرسمى أغنية بعنوان «شهداء 25 يناير»، يوجه فيها التحية لأبطال مصرمن الشباب الذى ضحى بنفسه خلال أحداث الثورة ، التى أعادت للشعب المصرى حريته ورفعت رأسه عاليا، والأغنية كانت من ألحانه، وكلمات ملاك عادل، وتوزيع موسيقى لأحمد عبدالسلام، ويقول مطلعها:» شهداء 25 يناير ماتوا فى أحداث يناير/ راحوا وفارقوا الحياة / شهداء لازم نتباهى بيهم/ وكمان مبروك عليهم الجنة والسماء»، ولاقت الأغنية سخرية شديدة من المصريين، نظرا لسذاجة كلماتها. ولأن لكل ثورة مطربيها الذين يؤمنون بها وبأهدافها ظهر مطرب شاب اسمه «رامى عصام» لقب بمطرب الثورة، وقدم أغنية من ألحانه بعنوان « أنا الشهيد» كلمات أمجد القهوجي، يقول فى أبياتها الأخيرة: «أنا اللى رحت فى حب مصر وقلت وعيد / أنا اللى ف العيد كان قميصه كفن شهيد/ أنا الشهيد «. الطريف أن الملحن الموهوب «وليد سعد» قدم هو الآخر أغنية بصوته تحمل نفس الإسم، رثا فيها الشهداء، وأكد أن مصر مدينة لهؤلاء بالكثير من الفضل، قام بكتابة كلماتها «أيمن جودة»، وتولى مهمة التوزيع المبدع «عادل عايش»، وأهداها وليد إلى شهداء ثورة 25 يناير، يقول مطلعها:»أنا اللى طول عمرى مقولتش لأ/ دخل الرصاص قلبى وقلبى اتشق/ ولما قلت لقيتنى فجأة بموت مبسوط/ لأنى بموت علشان الحق». ومع بداية شهر نوفمبر 2011 ومع تجدد الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن غنى «تامر عاشور» من ألحانه، وكلمات «عمرو يحيي، وتوزيع آسر عاشور» أغنية: « سألوا الشهيد»، يقول مطلعها:»سألوا الشهيد نفسك فى ايه/ وايه توصينا احنا بيه / قال خلوا بالكم من البلد دي/ واوعوا تنسوا انا مت ليه». وبصوت ملئ بالعذوبة والشجن وبصحبة عوده فقط غنى المطرب الجميل «جوني» أغنيته المتميزة «مشروع شهيد» كلمات وألحان «أنطونيوس نبيل»، والتى يقول فى أحد مقاطعها:»أنا مشروع شهيد ليكى / ولو ممنوع اعيش بيكى / أنا الثاير هاموت فيكى / وهاروى بدمى اسفلتِك» وببراءة طفولية نقية غنت الطفلة «حلا هاني» ذات الأربعة أعوام أغنيتها الجميلة «ليه أكون مشروع شهيد» كلمات «كريم جلال وآية أبوالفتوح»، وألحان وتوزيع أحمد المصري، وتجاوب معها الكثيرون خاصة وهى تقول :» ليه أكون مشروع شهيد/ ليه تضيع منى الحياة/ ليه يضيع منى الأمان» وأبكى محمد فؤاد الكثيرين عندما غنى بصوت شجى مفعم بالدموع أغنيته المؤثرة «بشبه عليك» من ألحانه، وكلمات أمير طعيمه، وتوزيع خالد عز، والتى يقول فى نهايتها:» بشبه عليك يا اللى ضحيت بروحك/ يا واحد مننا وسايب أهلك وناسك علشانا كلنا / يا شهيد انته مكانك فى الجنة مش هنا». ولأن أمير الغناء العربى هانى شاكر يؤمن بأن الشهداء من حقهم علينا أن نحفر أسماءهم فى ذاكرة التاريخ، لأنهم قدموا أغلى ما لديهم إلى الوطن، لهذا قدم لهم من تلحينه أغنيته العذبة «صوت الشهيد» والتى نالت كلماتها إعجابه، بعد أن كتبها الشاعر الفلسطينى «رامى يوسف»، ووزعها عادل عايش، لأنها وعلى حد قوله تكشف عن عظمة الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم دون أن ينتظروا ثمنا لتضحياتهم ويقول مطلعها: «روحى فداكى واسمى شهيدك/ دمى بيجرى فى دم وريدك/ صوتى الحر يا مصر نشيدك». ولم يكتف أمير الغناء بهذه الأغنية التى قدمها فى الأيام الأولى لاندلاع ثورة يناير فبعد عامين وبالتحديد فى احتفالات مصر عام 2013 بذكرى نصر أكتوبر، وبعد سقوط «الرئيس الجاسوس محمد مرسي»، وعصابته الإرهابية، قدم على مسرح استاد الدفاع الجوي، ووسط استعراض مسرحى ضخم أغنية ثانية بعنوان «الشهيد» كلمات نادر عبدالله، وألحان وليد سعد يقول مطلعها :»بلدى افرحى بشهيدك.. صلى ودندن نشيدك تمن سينا اندفع»، ويحسب لشاكر أنه من أكثر المطربين الذين غنوا للشهيد، فلا يمكن ونحن نتحدث عن أغنيات الشهداء أن ننسى أغنيته الجميلة «الشهيد» التى قدمها لشهداء فلسطين ويقول فيها:» يا شهيد يوم التلاقى مش بعيد قرب خلاص». وأعاد المطرب على الحجار أغنيته «الشهيد» التى قدمها فى مسلسل «البيضاء» من كلمات عبدالرحمن الأبنودي، وألحان وتوزيع أمير عبدالمجيد، لمواكبة ثورة 25 يناير، وبعد سقوط العديد من الضحايا، ورغم أن الأغنية لم تكتب خصيصا لشهداء 25 يناير لكنها حققت نجاحا كبيرا، نظرا للصدق والاتساق مع الأحداث التى كتبت ولحنت وتغنت بها ويقول مطلعها: «مع السلامة يا ابتسامة الزهر/ مع السلامة يانسيم الحياة مع السلامة يا ارتعاشة مصر/ انت الشهيد اللى اتقتلنا معاه» ولم يكتف الحجار بهذه الأغنية، فقدم ألبومين وطنيين على نفقته الخاصة، الأول « «اصحى يناااااير» والثاني» ضحكة وطن» وأهدى الأخير لكل الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم خلال ثورة 25 يناير من أجل رفع الظلم عن ملايين المصريين. كما قدم الفنان عمرو دياب أغنية جميلة اللحن والكلمات تتحدث على لسان مصر بعنوان «مصر قالت» من ألحانه وكلمات الشاعر الراحل مجدى النجار، وتوزيع عادل حقي، يقول فى أحد كوبليهاتها عن الشهيد» : مصر قالت انحيازى عمره ماكان لانتهازي/ مستحيل هقبل تعازي/ فى الشهيد رغم اعتزازى / إلا من بعد الحساب». ولم تقتصر أغنيات الشهيد على جيل معين من المطربين، فقد أهدى المغنى الشاب «محمد نور» لكل أم فقدت ابنها فى سبيل الوطن أغنية من ألحانه وكلمات «جمال الخولي»، وتوزيع «يحيى يوسف»، بعنوان: «أم الشهيد»، والتى يتغنى فيها على لسان أم أحد الشهداء. 30 يونيو وعذوبة الغناء الوطني وبمناسبة الذكرى الأربعين لحرب أكتوبر قدم المطرب بهاء سلطان من خلال أوبريت «مصر أم الدنيا» أغنية « أول شهيد» كلمات جمال بخيت، وألحان وليد سعد، وتوزيع طارق عبدالجابر، يقول مطلعها:»أول شهيد فى حرب أكتوبر / كان ابن حق وحقه مقسوملك» واحتفالا ودعما لثورة 30 يونيو، والتى تعد استكمالا لثورة 25 يناير، قدم وائل جسار مع بداية شهر يوليو عام 2013 أغنية بعنوان «مصر الحرة» من كلمات نبيل خلف، ولحن وليد سعد، وتوزيع عادل عايش، تتحدث عن روح الشهيد التى ترفرف حول زملائه فى ميادين الحرية والثورة يقول مطلعها :» اه يا بلادى اه يا بلادي/ حلوة الفرحة ويا ولادي/ ويا الشهدا لما تنادي». بكاء عدلى منصور وخلال احتفال القوات المسلحة بالذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، قدم الطفل سيف مجدى أغنية بعنوان «ابن الشهيد» كلمات تامر حسين، ألحان عمرو مصطفي، توزيع أحمد الموجي، حيث بكى الرئيس عدلى منصور من فرط تأثره أثناء تقديم الأغنية فى مشهد انسحب تأثيره على جموع الحاضرين فى قاعة مسرح الجلاء، لينفعل الجميع وأولهم الرئيس المؤقت آنذاك بكلمات الأغنية المؤثرة، التى توضح فخر ابن الشهيد بوالده، والذى ضحى بحياته من أجل رفعة وطنه وأمان شعبه ويقول مطلع الأغنية: « أحب أعرف الجميع وديكم نبذة عن حياته/ ليه الشرف والدى الشهيد اللى أفتخر بإنجازاته». شيرين تؤرخ لجنود الفرافرة وبعد أن لقى 21 جنديا مصرعهم العام الماضي، وبالتحديد يوم السبت 19 يوليو، بعد الاعتداء عليهم من قبل جماعة إرهابية فى إحدى نقاط حرس الحدود بالقرب من واحة الفرافرة بالوادى الجديد، وكان اعتداء فريدا من نوعه، إذ استخدمت العناصر الإرهابية أسلحة ثقيلة من بينها قذائف «آر بى جي» أدت إلى انفجار مخزن للذخيرة، وهو ما تسبب فى مقتل الجنود على الفور، استفز هذا العمل الإرهابى البغيض الشاعر أيمن بهجت قمر، وكذلك أيضا المطربة شيرين عبدالوهاب فأجرت اتصالاً هاتفيا « بقمر» فور وقوع الحادث مباشرة وطلبت منه كتابة أغنية تعبر عن الحالة التى يعيشها المصريون، خصوصا أنها تشاركهم الشعور بالغضب العارم تجاه ما حدث للجنود المصريين فى نهار رمضان، وبالفعل شرع «قمر» فى كتابة كلمات الأغنية المعبرة «سلم على الشهداء اللى معاك» التى لحنها ووزعها خالد عز، ويقول مطلعها: «سلم على الشهدا الى معاك / سلم على كل الى هناك». وكانت آخر الأغنيات الحديثة التى ذكرت بين كلماتها الشهداء أغنية « رفعنا العلم» كلمات وألحان الشاعر محمد جمعه، توزيع محمد نور وغناء حماده هلال ويقول مطلعها:»وتحية للشعب المصرى / وتحية للجيش المصرى / و أولهم كل الشهداء اللى زرعوا فينا القوة». ثورة 1919 ..بداية الغناء الوطني وفى إطار توثيق أجمل ماكتب فى الغناء عن «الشهيد» لابد من العودة إلى أساطين الطرب الرصين الذين جسدوا أروع مشاعر المصريين فى لون الغناء الوطنى الخالص، فقد وهب سيد درويش روحه وفنه لثورة 1919 ، وعاش بروحه وفنه مع مصطفى كامل، ومحمد فريد، وسعد زغلول، يستوحى خطبهم النارية الملتهبة بأحاسيس الشعب، ويغنى للناس والناس يرددون اللحن وراءه، وكان من الطبيعى أن يقع شهداء فى تلك الثورة، وأن يمجدهم الشيخ سيد، وكانت البداية من خلال مسرحية «فشر» للفنان نجيب الريحاني، وفيها غنى الريحانى من كلمات بديع خيري، وألحان سيد درويش لحن «الشهداء» على لسان طالب علم يسافر إلى أوروبا للحصول على شهادته العلمية، ويناجى مصر فى خياله قائلا: « يلطف بينا وينجينا من بوابيرك يا أوروبا / وإن كان موتنا فى غربتنا يا مصر، نبقى فى جملة شهداك / فداكى ألوف يا مصر». وكرر الشيخ سيد درويش التلحين والغناء للشهداء فى أكثر من عمل، فقدم من خلال المسرح الغنائى عشرات الألحان الوطنية والحماسية التى تحرض كلها على النهوض والقوة ورفض الاستسلام من كلمات رفيق مشواره الفنى الشاعر بديع خيري، ففى مسرحيته « شهر زاد» التى قدمت عام 1921 وتطرقت بذكاء إلى تمجيد الجيش المصرى والاعتزاز بالجنسية المصرية، وصدق الانتماء إلى مصر مهما كانت الضغوط التى يعانيها المصرى فى أى مكان، والتى كان يعانيها من آثار الاستعمار، غنى الشيخ سيد ومن كلمات محمود بيرم التونسى قائلا: «البورى بيندهلك اسمع منه الصوت / بيقولك فوت أهلك واستهتر بالموت/ أحيينا سعداء وأمتنا شهداء». وفى رواية «عبدالرحمن الناصر» التى قدمتها «شركة ترقية التمثيل العربي» لعبد الله عكاشه وإخوته، وعلى مسرح تياترو حديقة الأزبكية يقدم سيد درويش لحنه الجميل الملئ بالقوة والعنفوان: «هيا أيها الأبطال هيا إن فخاركم تحت البنود/ شقوا بالسيوف لكم طريقا / إلى النصر الأغر أو اللحود/ فإما نلتم العليا جميعا وإلا نلتم أجر الشهيد» وعام 1923 يقدم أيضا سيد درويش من خلال فرقة على الكسار مسرحية « الهلال» وفيها تغنى المجموعة من كلمات عبدالحميد كامل مؤلف العمل : «إحنا الجنود زى الأسود» والتى يقول فى نهايتها: « ويبنى الشديد ضريح الشهيد ويرثى الغريب أخوه الغريب» وطوال حقبتى الثلاثينيات والأربعينيات ينقطع الغناء للشهيد، رغم اشتعال الأحداث السياسية التى عبرت عنها الكثير من الأغنيات الوطنية، لكنه يتجدد مرة أخرى مع حرب فلسطين عام 1948، حيث أيقظ الموسيقار محمد عبدالوهاب جماهير أمتنا العربية بالدرة الخالدة « فلسطين» التى اختارها من كلمات الشاعر على محمود طه ورددت الجماهير معه « وقبل شهيدا على أرضها دعا بإسمها الله واستشهد». وكانت صيحة الشهيد التى حرضت الشعب على القتال والاستشهاد التى كتبها صالح جودت وقام بتلحينها وغنائها أحمد عبدالقادر والتى يقول فيها « أنا صوت من ربى الجنة يا مصر ينادى / أنا سيف بدد الله به شمل الأعادي»، وفى فيلم « الواجب» بطولة سراج منير وعماد حمدي، وإخراج بركات، يغنى عبدالغنى السيد قصيدة وطنية عن التضحيات والإستشهاد فى سبيل مصر بعنوان « كلية البوليس» كلمات بديع خيري، وألحان رياض السنباطى يقول فى نهايتها:» يرحم الله شهيدا بالمنايا لا يبالي/ نحن إن عشنا عبيدا فالعنينا يا ليالي» وتغنى سعاد محمد فى أول أفلامها « فتاة من فلسطين» أغنيتها « يا مجاهد فى سبيل الله» كلمات بيرم التونسى وألحان رياض السنباطى التى تقول فيها «يوم الحرب دا عمر جديد/ تبقى سعيد اذا عشت سعيد/ ولّا تروح الجنة شهيد/ عند الله وتفوز برضاه/ يا مجاهد فى سبيل الله». ثورة 1952تمجد الشهداء بعد حرب 1948 وضياع فلسطين قامت ثورة 23 يوليو 1952، وواكبت هذه الثورة ثورة أخرى فى الغناء الوطني، وازدهرت الأغنية الوطنية ولعبت دورا مهما فى شحذ همم الجماهير وشحنهم عاطفيا، ولأننا نتحدث عن الشهداء فسنكتفى برصد الأغنيات التى تغنت بالشهداء أبرزها «الشهيد» التى قدمتها ليلى مراد فى فيلم «الحياة الحب» عام 1954، كلمات حسين السيد وألحان محمد عبدالوهاب والتى يقول مطلعها: « آه لو عرفت المخبى واللى انكتب لك فى دنياك/ ماكنش طاوعنى قلبى أودعك ولا أروحشى معاك». العصر الذهبى للشهيد وتوالت فى هذه الفترة الأغنيات التى تتحدث عن الشهيد، ففى عام 1955 تغنى المطربة السورية «سهام رفقي» مع المجموعة «مصرنا لك العلا»، وتقدم المجموعة أيضا لإذاعة صوت العرب نشيد «الشهيد»، وعام 1956 تقدم المطربة نجاح سلام وزوجها الفنان الشامل «محمد سليمان» الصورة الغنائية «دم الشهيد» كلمات محسن الخياط، وألحان عفيف رضوان، ولخلود الشهداء غنت نجاح سلام أيضا «ما تقولوش مات الشهيد/ انما قولوا اتولد/ دا الشهيد عايش معانا/ فى كل حتة فى البلد»، ويغنى محمد قنديل فى أغنيته «يا ويل عدو الدار»: « ح نرد كل شريد.. ويعود عزيز ومجيد / وأن مات شهيد وشهيد/ الجنة ليهم دار/ يا ويل عدو الدار». ومن كلمات عبدالفتاح مصطفى وألحان أحمد صدقي، تنشد أحلام « نادراك لليوم ده يا ولدى / تحمينى وتحرس بلدي/ سافر مع ألف سلامة / يوم ما أوفى الندر ده عيد / يا شوفك هنا بكرامة / يا تروح الجنة شهيد» وتنفعل المطربة «هند علام» بعد العدوان الثلاثى على مصر فتقدم من ألحان محمود الشريف «نشيد الشهيد» الذى يلحن أيضا للمطرب إسماعيل شبانة، ومن كلمات صالح جودت أغنية «صوت الشهيد»، وتغنى شهر زاد « يا رجالنا الأحرار» كلمات حيرم الغمراوي، ألحان على فراج. مدائن الشهداء ارتبط الشهيد فى العديد من أغنياتنا بالبلد أو المدينة التى استشهد مدافعاً عنها، فمثلا لبورسعيد غنت شادية من كلمات إسماعيل الحبروك وألحان محمد الموجى «سلم على كل شارع / دافع عنه شبابه / وهات لى وانت راجع / شوية من ترابه/ تراب ارض الجدود/ وفيه دم الشهيد / امانة عليك امانة»، وغنت نجاة على لبورسعيد أيضا من كلمات محمد التهامي، وألحان عزت الجاهلى «قسما بِشعبِك بورسعيد قسما بموقفك المجيد .. وبراية الابطال .. ينقلها شهيد ل شهيد»، و لشهداء مدينة السويس غنى محمد حمام من كلمات عبدالرحمن الأبنودى وألحان إبراهيم رجب»يا بيوت السويس.. يا بيوت مدينتى .. استشهد تحتك .. وتعيشى انتي». العندليب والشهيد وكان طبيعيا أن يغنى فتى الثورة المدلل العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ للشهيد فيغنى عام 1956وبعد انتصارنا على العدوان الثلاثى أغنية «الله يا بلادنا» كلمات أنور عبدالله، وألحان محمد عبدالوهاب «ح نعيش من أول وجديد/ والنصر ينور اعيادنا / ونحيى روح كل شهيد/ يرفرف على ارض بلادنا». ويغنى مرة ثانية للشهيد عام 1959 من خلال نشيد «الوطن الأكبر» الذى قدمه مع مجموعة من الفنانين، ويختار بذكائه الكوبليه الذى يتحدث عن الشهيد فيحقق نجاحا كبيرا وهو ينشد من كلمات أحمد شفيق كامل، وألحان محمد عبدالوهاب قائلا: «أموت يا وطنى شهيد وأتمنى أعيش تاني، أموت فداك من جديد واحمى اوطاني». وفى العيد الثامن للثورة وفى نادى ضباط القوات المسلحة بالزمالك يحكى بصوت مليء بالدموع « ذكريات» كلمات أحمد شفيق كامل، وألحان محمد عبدالوهاب قائلا : «فى اللد والرملة .. كانت العملة.. مأساة كاملة.. واستشهد اخويا .. فى أراضيها». لدم الشهداء عاد عبدالحليم مغنيا فى أغنية «مطالب شعب» التى قدمها فى عيد الثورة العاشر عام 1962، والتى يقول فيها «باسم دمانا بالشهدا بالفدائيين/ عايزين يا جمال عايزين/ يا امل ملايين/ العودة.. العودة لأراضينا». مليون شهيد صفة التنوع بإبراز الشهيد بأفكار وصور عديدة فى أغانى الخمسينيات والستينيات والسبعينيات كانت هى الأعم وباستعادة هذه النماذج نلاحظ تركيز العديد من الفنانين على قيمة الشهيد والشهادة، فيقدم الموسيقار الكبير محمد فوزى عام 1962 لشهداء الجزائر، وفى حفل إذاعة صوت العرب لتكريم أبناء الجزائر أغنية بعنوان «مليون شهيد» من كلمات عبدالفتاح مصطفي، يقول مطلعها : «سبع سنين والحرب داير وشعب قضى العمر ثاير/ مليون شهيد.. كتبوا انتصارك يا جزاير». وتغنى فايزة أحمد للشهيد فى نشيد «صوت الجماهير» من كلمات حسين السيد، وألحان محمد عبدالوهاب قائلة : « يا دولة كبرى فرضت وجودها فداك يا ما ضحى شباب/ شهيد حياتك عرف النهارده ماراحش دمه تحت التراب». وتكلف المطربة وردة الجزائرية شاعرها المفضل فى الستينيات «على مهدي» بكتابة أغنية عن شهداء الجزائر فيقدم لها رائعتها « مليون شهيد» التى قام بتلحينها الموسيقار عبدالعظيم محمد، والتى يقول مطلعها : « مليون شهيد من دمهم / وباسمهم / بينوروا الفجر الجديد/ ، يا جزائر»، وتغنت بعد ذلك فى رائعتها المحفورة فى وجدان المصريين « وأنا على الربابة» كلمات عبدالرحيم منصور، ولحن بليغ حمدى قائلة : « «وايه اكون جنبك يا مصر.. وانا ع الربابة بغني.. وانتى اللى ما سبتيش شهيد هدر بدمه على التراب يا مصر». حرب الاستنزاف وبعد نكسة 1967 وأثناء حرب الاستنزاف ظهرت العديد من الأغنيات التى تتغنى بالشهيد، كان أبرزها قصيدة « الشهيد» كلمات الشاعر الأردنى عبدالمنعم الرفاعي، والتى عاد بها الموسيقار محمد عبدالوهاب عام 1969 إلى الغناء بعد استشهاد رئيس أركان حرب الجيش المصرى الفريق عبد المنعم رياض، وفتحت هذه القصيدة الباب على مصراعيه لكثير من المطربين للغناء للشهيد، فغنت المجموعة من كلمات صلاح جاهين ولحن سيد مكاوى « مقاومة مقاومة»، وغنى محرم فؤاد عام 1970 رائعة « بنت مصر أم الشهيد» كلمات عبدالرحمن الأبنودي، وألحان إبراهيم رجب، وقدم المطرب أحمد سامى أغنية بعنوان « دم الشهيد» عام 1971 كلمات كمال عمار، وألحان محمد عبدالعليم، ولا يمكن فى تسجيلنا لأغانى الشهداء أن ننسى رائعة شادية « الأسمر فى كل مكان» كلمات المبدع مجدى نجيب وألحان عز الدين حسني، والتى يقول الكورس فى بدايتها « النسمة رايحة تحكى / وراجعة تانى تحكى / عن أسمر حب سمرة / وسافر يشترى لها فستان بلون القمرة وعقد لون عيونها من يومها راح ما جاشى وهى ما تدراشى ما رجعش ليه نصيبها ليه راح راح». ولحن الموسيقار حلمى بكر عام 1972 لإذاعة فلسطين أغنية « أخى الشهيد» كلمات فتحى قوره، وغناء المطرب الفلسطينى نعيم حمدى الذى كان طالبا فى هذا الوقت بمعهد الموسيقى العربية فى مصر، وكانت أشهر الأغنيات التى ظهرت ومازالت حتى الآن من أشهر أغنياتنا الوطنية رائعة « مدد مدد» لعمنا محمد نوح من كلمات إبراهيم رضوان والتى يقول مطلعها: « مدد مدد مدد / شدى حيلك يا بلد/ إن كان فى أرضك مات شهيد/ فيه ألف غيره بيتولد». أم الشهداء سطر التاريخ مواقف خالدة لأمهات الشهداء فى لحظة تلقيهن نبأ استشهاد أبنائهن ويبقى المثال الأقرب عندما غنت شريفة فاضل لابنها الذى استشهد فى حرب الاستنزاف من كلمات نبيلة قنديل وألحان على إسماعيل أغنية « أم البطل» التى تقول فيها :»ابنى حبيبى .. يا نور عينى .. بيضربوا بيك المثل .. كل الحبايب بتهنينى .. طبعاً .. ما أنا أم البطل». وغنى مارسيل خليفة رائعة محمود درويش « أجمل الأمهات» التى يقول مطلعها «أجمل الأمهات التى انتظرت ابنها / أجمل الأمهات التى انتظرته / وعاد / عاد مستشهداً، فبكت دمعتين ووردة / ولم تنزوِ فى ثياب الحداد»، وقدمت عفاف راضى واحدة من أجمل أغنيات الشهداء بعنوان « أم الشهيد» كلمات عبدالرحيم منصور وألحان بليغ حمدى والتى تقول فيها « يا أم الشهداء يا اصيلة يا اصيلة..... يا ام الشهداء يا جميلة يا نبيلة....يا ام الشهداء يا حبيبة يا جميلة ....كل الجراح لجلك تهون والله «، ومن قبلهم جميعا قدم عبدالحليم حافظ أغنية «فدائي» التى قدمها عام 1968 عن وصية الشهيد لأمه قائلا «لو مت يا امى ما تبكيش .. راح اموت علشان بلدى يعيش .. إفرحى يا مه وزفينى .. وفى يوم النصر افتكرينى «، كما قدم محمد فؤاد أغنيته « أم الشهيد» التى يقول فيها» افرحى يا ام الشهيد وانتى فى احلى نشيد لم يمت من مات». مارسيل وفيروز وتظل تجربة مارسيل خليفة وفيروز فى الغناء للشهيد من أجمل التجارب الغنائية فى وقتنا الحالى ويكفى لمارسيل أغنيته الرائعة « عندما يذهب الشهداء الى النوم/ أصحو وأحرسهم من هواة الرثاء/ وأقول لهم / تصبحون على وطن»، أما فيروز فلا تكفى صفحات وصفحات للحديث عن إسهامها فى هذا المجال ومن أهم أغنياتها فى هذا اللون من الغناء أغنية « راح نبقى سوا» التى تقول فيها «ع منديلك يا أمي/ ع أبواب البيوت/ عم بكتب يا وطني/ الوطن ما بيموت / رسمتك سنابل شهدا وحمام / رسمتك يا وطنى / يا وطن السلام».