فى إطار غرس الأمل كان لابد من البحث عن حقيقة ما نسمعه عن التعليم فى مصر، حيث تنطلق الاتهامات والدفوع من وزراء التعليم والمتخصصين حول وعن التلاميذ الذين يذهبون إلى المدرسة ولا يتعلُمون، أو التمدرس دون تعلُم.. يخرج التلاميذ من المدرسة إما تسربا منها قبل استكمال المرحلة الابتدائية أو الاستمرار فيها والخروج منها دون مؤشرات تدل على تغير كبير طرأ عليهم.. مما يدفع الإعلام ، وأولياء الأمور ، للهجوم على الوزير والمعلمين وأيضا الإنفاق على التعليم من حيث قصوره أو عدم الاستفادة مما ينفق على التوسع فى الإتاحة ومن مجانية التعليم، ذلك أنه لابد من وجهة نظرهم أن يكون التعليم بالمصروفات حتى يتم تقديره ويتعلُم التلاميذ الذين يستحقون التعلُيم، وحين يبدأ الهجوم على التعليم يتم الحديث دوما عن هذه المشكلة على اعتبار انها مشكلة مصرية مما تطلب وقفة للنظر فيما أخرجته مراكز الأبحاث العالمية والمؤسسات الدولية حيث جاءت النتيجة مشابهة لما نحن فيه، ذلك أن إعلان مؤتمر جومتيان 1990 وإعلان حقوق الطفل 1994 طالبا بتعليم إلزامى مجانى للجميع ولم تكن المطالبة بمكان تحت سقف مبنى المدرسة أو داخل جدرانها ولكن كانت المطالبة بحق التعلُم كحق إنسانى للجميع والاستفادة من عوائده التى تعود على الإنسان والمجتمع متمثلة فى العائد القومى الإجمالى وتحسين نوعية الحياة التى يحياها الإنسان المتعلُم، وأيضا ما يعود على مستقبله حيث الحياة فى مجتمع المعرفة، وسارعت الدولة لإتاحة التعليم قدر الطاقة، غير أن المردود لم يكن بقدر الحماسة لتحقيق تكافؤ الفرص للجميع أو ما رصد للإنفاق على هذا الحق من ميزانيات.. وأثارت مراكز الأبحاث العالمية السؤال إذا كانت إتاحة التعليم للجميع لم تؤد لتحقيق الهدف فى الدول النامية فهل سنظل نطالب بالمزيد منه للجميع؟. وتذكر نتائج الأبحاث أيضا أن الفجوة ما بين العائد من التعليم ونتائجه إنما تعود إلى أسباب كثيره وغير معروفه بدقه، ولأجل تحقيق التعلُم.نحتاج للمدرسة وكثير من الخدمات المكملة واللازمة لتقديم التعليم الأساسى والتأسيسي، فالتلاميذ لابد من أن يحضروا للمدرسة، وأن تكون لديهم الدافعية للتعلُم، وأن تكون لديهم القدرة على تحقيقه، وكذلك لابد من وجود المعلم المسلح بدافعية العمل والقدرة على التعليم والإحساس بالمسئولية تجاه من يعلمهم من منظور مهنى وإنساني، ومن ثم كثير من هذه الأمور المطلوب توافرها كمطلب قبلى والتى غالبا ما تكون مفتقدةأما بالنسبة لوظيفة المدرسة المرتبطة بنظام التعليم وتوزيعه. فالأمر لا يقتصر فقط على المصادر المالية التى تؤثر على المبنى المدرسى وتجهيزاته وتوفر الأقلام والأوراق، بل وحتى الطباشير والتجهيزات الإلكترونية المناسبة، وقد أظهرت بعض الأبحاث التى أجريت فى الهند والتى زادت ميزانية التعليم الابتدائى فيها إلى ما يقرب من 80% ولكن متوسط العائد الذى تم رصده كان بالسالب، وكان الرأى أن معوقات التعلُم ليست المصادر المالية وتفصيلاتها ولكن عوامل أخرى ترتبط بالبيئة الأوسع للتعلُم. فمثلا عدم التزام المعلم بالحضور وحتى مع حضوره، فالمعلمون لا يبذلون جهدا فى إيجاد بيئة مواتية للمتعلُم أو صديقة للمتعلُمين. فطريقة المعلم فى إدارة الصف الدراسى من حيث إلقاء أسئلة ومشاركة التلاميذ وإضافة الفكاهة على ما يقدمه، وإشاعة المرح، وتشجيع التلاميذ وتقسيمهم إلى مجموعات صغيرة تعمل معا، هذا غير متوافر فى المدارس، بل وامتدت الأبحاث لتشمل اختبار النتائج الدراسية بالنسبة للمعلمين بالعقود والمعلمين المعينين لتعرف الفرق بينهما، وكانت النتيجة أن محصلة نتائج المعلمين بالعقود أعلى من المعينين فى إحدى ولايات الهند. وربما يمكن القول طبقا للنتائج التى انتهت إليها الأبحاث أيضا إلى انه ليس من الغريب أن توجد فجوة ما بين التمدرس أى الذهاب للمدرسة وبين التعلُم، فالمدرسة ونظام التعليم هما أكثر من أن يكونا مختصين بالتعليم فقط ويعملان من أجل أن يحصل التلاميذ على حق التعليم، وبالنسبة للتلاميذ فالمدرسة مسئولة عن كشف ذكائهم ومجالات تميزهم وبالنسبة للآباء فهى تمثل دار رعاية يومية للأبناء، وهى للمعلمين مصدر مستقر للدخل، وللحكومات، فالمدرسة مسئولة عن التشكيل الاجتماعي، والتهيئة للعمل، وترقية واستمرار الأجيال. إنها قصة معقدة سياسية واقتصادية واجتماعية تلك التى تكمن وراء الفجوة ما بين التمدرس والتعلُم. وبالنظر إلى هذه القصة المعقدة فإن الحديث عن تطوير التعليم أو إصلاحه يعتبر عملية شديدة التعقيد، وبالنظر حول العالم فى هذا الشأن فإن التنوع الشديد بين نظم التعليم القائمة يجعل من البحث عن حلول لدى الدول المختلفة أمرا عسيرا، لذا كنقطة بداية أو منطلق أساس للإصلاح إذا أرادت الدولة أن تعمل فعليها أن تركز على المشكلةالحقيقية ألا وهى التعلُم، ومن ثم يمكن اتخاذ القرارات العلمية العملية وتصميم الحلول الفعالة، وأن نعود مرة أخرى لمحاولة الاستفادة من دعوة مصرية سابقة لم تطبق تلك التى نادت باستخدام التقويم كمدخل لإصلاح التعليم. إذا لم تنجح المدرسة فى تمكين تلاميذها من التعلُم فمن الصعب أن تبرر الأموال التى تنفق عليها هذا من زاوية وطنية داخلية. أما ونحن على مشارف عام 2015 العام المحدد لتحقيق ما نادى به إطار العمل فى داكار عام 2000 فإن الاتجاه العالمى ينتقل من الإتاحة للجميع إلى التعلُم فهل نحن على استعداد لتحمل المسئولية الجماعية للترجمة الفعلية لتحقيق التعلم للجميع بتحسين العائد من العملية التعليمية وجعل التعلم مدى الحياة للجميع هو الهدف. لمزيد من مقالات د. نادية جمال الدين