فى ضربة "موجعة" جديدة للرئيس باراك أوباما، تحولت قضية "تسليح مصر"- والأردن وقوات البشمركة- إلى أحدث سلاح يشهره الكونجرس الجمهورى فى معركته ضد الإدارة الديمقراطية. فلهجة التهديد التى حملتها رسالة النائبة الجمهورية كاى جرانجر رئيسة اللجنة الفرعية للمخصصات المالية للمساعدات الخارجية بمجلس النواب الأمريكى للرئيس أوباما، والتى لوحت فيها بتعليق كافة المساعدات الخارجية فى حالة رفض البيت الأبيض دعم مصر والأردن ماليا وعسكريا فى مواجهة إرهاب «داعش»، لم تكن المؤشر الوحيد على الدعم الجمهورى غير المسبوق للحرب المصرية على الإرهاب. فقد تجنب الكونجرس إبداء أى اعتراضات أو تساؤلات حول حزمة المساعدات الأمريكية المخصصة لمصر على مدى يومين من جلسات الاستماع لجون كيرى وزير الخارجية الأمريكي. ويأتى هذا التحول ليكشف عن رؤية جمهورية أكثر واقعية للحرب التى تقودها الولاياتالمتحدة للحد من تمدد التنظيم الإرهابى فى الشرق الأوسط، بعدما فشلت «غارات» قوات التحالف فى التصدى ل«داعش». وتأتى الرؤية الجديدة للحرب التى يدعمها الكونجرس الجمهورى بعد أيام قليلة من قمة مكافحة الإرهاب التى استضافها البيت الأبيض والتى عكست جانبا من الثغرات التى تعانى منها استراتيجية أوباما ضد داعش. ففى الوقت الذى أكد فيه الرئيس الأمريكى، فى خطابه أمام القمة، على حرصه على محاصرة عناصر التنظيم التكفيرى على الأرض، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» برنامجا لتسليح وتدريب نحو خمسة آلاف من عناصر المعارضة السورية «المعتدلة». وهو نفس الخطأ الذى ارتكبته إدارة أوباما قبل أعوام قليلة، عندما قررت تسليح المعارضة للتصدى لنظام الرئيس السورى بشار الأسد، وهو ما نتج عنه ظهور تنظيم داعش الذى فاجأ العالم بترسانته من الأسلحة الحديثة التى توازى الجيوش النظامية. فبدلا من العمل على دعم دول وحكومات رسمية محددة التوجهات، كررت الإدارة الأمريكية نفس أخطاء الماضى، حيث تعمل على تسليح عناصر منفردة لا يمكن ضمان ولائها على المدى القريب أو البعيد. وفى الخطاب نفسه، أكد الرئيس الأمريكى على ضرورة التصدى للفكر "المتطرف" ، معترفا ببراءة الدين الإسلامى من الفكر الإرهابى الذى تنتهجه الكثير من الجماعات المتطرفة. ولكن هذه الدعوة الرئاسية جاءت بعد أيام من أول لقاء يجمع بين أوباما وقيادات إسلامية أمريكية، تواجه أحكاما قضائية لاتهامها بتمويل الإرهاب ودعم حركات إرهابية فى الشرق الأوسط. والغريب، أن هذا اللقاء اتسم بالسرية التامة ولم يتم الكشف عنه إلا بعد ضغوط إعلامية مكثفة. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد أكدت صحيفة «واشنطن تايمز» فى تقريرها حول هذا الاجتماع الذى استضافه البيت الأبيض أن من بين الحضور القيادى إمام ماجد الرئيس السابق لمنظمة «المجتمع الإسلامي» وأزهار عزيز الرئيس الحالى للمنظمة، وهى المنظمة التى تم تصنيفها فى عام 2007 على أنها تابعة لجماعة الإخوان الإرهابية، وتمت إدانتها فى العام نفسه أمام القضاء الأمريكى بتمويل الإرهاب! وعلى الرغم من أن هذا التوجه الجمهورى ربما يقابل بانتقادات من قبل بعض المعارضين للقيادة المصرية، فإنه يحمل رؤية أكثر واقعية للحرب على داعش، فمصر والأردن والقوات الكردية تعتبر الآن خط الجبهة فى مواجهة التنظيم، وتسليح قواتهم – الأكثر تنظيما وولاء من عناصر المعارضة أيا كانت- سيعفى أمريكا من دخول حرب برية واسعة النطاق ضد التنظيمات الإرهابية فى المنطقة. فالجمهوريون يستغلون حقيقة واقعة أن القضاء على "داعش"، تحول بعد مقتل الطيار الأردنى "معاذ الكساسبة" وذبح المصريين، إلى هدف مشترك يجمع بينهما، وهو ما يجعل من دعم هذه الدول ماديا وعسكريا كفيلا بإنجاز المهمة بشكل يوفر على واشنطن الإحراج الذى ستواجهه فى حالة اتخاذ قرار متهور بارسال قوات برية غير مأمون العواقب. كما سيوفر عليها خوض حرب جديدة ، بعد فشلها فى العراق وأفغانستان من قبل. لقد تحولت مصر – دون قصد - إلى ساحة لأحدث المعارك بين الكونجرس الجمهورى والإدارة الديمقراطية للولايات المتحدة، فالهاجس الشعبى الأمريكى من احتمال تكرار 11 سبتمبر الإرهابية هو الوتر الحساس الذى يعزف عليه الحزبان الجمهورى والديمقراطى فى إطار مساعيهما الحثيثة لإثبات كفاءتهما قبل المعركة الانتخابية الحاسمة فى 2016. ولعل هذا هو ما دفع وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى إلى الإدلاء بشهادة إيجابية نسبيا فى حق مصر فى جلسة الاستماع للجنة المخصصات المالية بمجلس النواب، حيث قال إن بلاده تتفهم الضغوط التى تتعرض لها مصر فى الفترة الحالية من حيث مواجهتها للإرهاب، ولكنه اعترف فى الوقت نفسه بأن واشنطن فقدت نفوذها فى هذا البلد المحورى فى العالم، فى ظل تطور علاقاته مع دول أوروبية وخليجية، فضلا عن روسيا والصين.