عند الحديث عن أحوال الأمة المصرية والمنطقة برمتها، ينتاب المرء مزيد من الحزن والشجن عما آلت إليه ظروفنا وأحوالنا ونظرة العالم لنا، ففي الوقت الذي يتنافس فيه العالم للحاق بركب الحضارة والتقدم والتكنولوجيا، نتنافس نحن في تقديم أبشع الصور وأحقرها في تعاملنا الانساني، ما بين حروب طائفية وقتل علي الهوية وذبح للمختطف وحرق لكل من يخالفنا الرأي بغض النظر عن جوهر الخلاف وحقيقة التباين، لقد أصبح العالم كله ينظر إلينا بخوف ويخشي من اقترابنا منه. وفي خضم هذا الوضع المتردي لحال الأمة الإسلامية بأسرها بسبب تصرفات البعض ومحاولة لصقها بجوهر الدين وتعاليمه، يحاول البعض الذود عن الإسلام بالقول بأن هذه الممارسات لا صلة لها به، إلا أن الجميع سيقولون إن هذا الحديث مكرر علي مسامعنا حينما تتحدثون عن عظمة الإسلام وسماحته، وتقدمون الأدلة النقلية والعقلية المعززة لذلك والمؤكدة عليه، إلا أن الممارسات العملية والتطبيقات المشاهدة علي شاشات التلفاز وعبر مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد النقيض من ذلك. وهنا التساؤل: أين الأزمة؟ وأين المشكلة؟ وما هو الحل؟ والاجابة عن هذه التساؤلات تكمن في الدعوة التي وجهها الرئيس السيسي إلي علماء الأمة وفقهائها في خطابه بمناسبة المولد النبوي الشريف والتي حملهم فيها المسئولية إلي سرعة ما سماه الثورة الدينية، وذلك بقوله:بثورة دينية تصحح المفاهيم الخطأ التي ترسخت في أذهان الأمة الإسلامية، وأصبح الخروج عنها صعبا للغايةب. مثل هذه الجملة البليغة تمثل الحل الواقعي للخروج من النفق المظلم الذي تتخبط فيه الأمة الإسلامية اليوم، ومن دون هذه الثورة فلا يمكن الحديث عن المستقبل ومتطلباته. ولكن المعضلة التي تواجهنا لتطبيق هذه الدعوة تتمثل في جانبين: الاول، ماذا تعني الثورة الدينية؟ فقد تلقف الجميع هذه الدعوة وحاول أن يطوعها طبقا لما يراه، فنجد من ينتسبون إلي جماعات الاسلام السياسي وتحديدا جماعة الإخوان وتحالفاتها حاولوا تضليل الرأي العام بحقيقة هذه الثورة فزعموا أن الدعوة موجهة إلي الخروج عن النصوص الدينية، ونجد آخرين من غلاة العلمانيين يطلبون بتعطيل بعض الأحكام ويهاجمون المؤسسات الدينية. وإنما في حقيقة الأمر أن ما قصده الرئيس عبد الفتاح السيسي من دعوته كما أوضح وفسر وشرح تفصيلا في كلمته وفي خطاباته المتعددة لا يعني ثورة علي الدين أو انقلابا علي تعاليمه ورموزه ومؤسساته، وإنما يعني الدعوة إلي تجديد الفكر والاهتمام بالاجتهاد الصحيح لمواجهة الجمود والتخلف والعنف. وهذا هو المعني الحقيقي للثورة الدينية. أما الجانب الثاني من المعضلة، فتجسد في المسئولية، فهل تقتصر المسئولية في تنفيذ هذه الدعوة علي المؤسسات الدينية فحسب وتحديدا الأزهر الشريف ووزارة الاوقاف أم أن المسئولية موزعة علي الجميع؟ صحيح أن المسئولية الأكبر تقع علي عاتق هاتين المؤسستين اللتين أسرعتا باتخاذ الخطوات الجادة علي طريق وضع هذه الدعوة موضع التطبيق، إلا أن نجاح هاتين المؤسستين في مسئوليتهما يظل رهنا بتكاتف جميع مؤسسات الدولة والمجتمع، حيث تتحمل أجهزة الإعلام الحكومي والخاص بجميع صوره ووسائله الجزء الأكبر من المسئولية نظرا للتأثير واسع المدي الذي يلعبه الاعلام اليوم في تشكيل وتوجيه الرأي العام، فما زالت هناك مغالطات عدة وممارسات غير مهنية يقوم به الإعلام وهو ما يرجعنا إلي دعوة الرئيس السابقة بضرورة وضع ميثاق شرف إعلامي يضبط الأداء الإعلامي ويرتقي به. إلي جانب ذلك أين دور وزارة الثقافة وأجهزتها ومؤسساتها المنتشرة في ربوع الجمهورية؟ وإذا كانت هذه هي مسئولية المؤسسات المعنية بالفكر والثقافة، فثمة مسئولية تتحملها المؤسسات المعنية بالاوضاع المعيشية للمواطنين والعمل علي حل مشكلاتهم وأزماتهم المختلفة التي تمثل الباب الخلفي لدخول الفكر المتطرف والارهاب، حيث تجد هذه الافكار البيئة الخصبة والحاضنة الكبري حينما ينتشر الفقر والعوز، وحينما تغيب الدولة عن مسئوليتها تجاه مواطنيها فتقفز هذه الجماعات بما تملكه من مصادر تمويل لتقوم بالدور نيابة عن الدولة بما يُكسبها أرضية حقيقية لدي هؤلاء المواطنين فتنجح في تجنيدهم. صحيح أن الفقر ليس هو العامل الأوحد في كسب ارضيات جديدة لهذه الجماعات إلا أنه من العوامل المهمة. كما تأتي مسئولية مؤسسات الدولة المعنية بالعدالة والأمن وممارساتهم حيال قضايا المواطنين وكيفية التعامل معهم، فالعدالة الناجزة والسريعة ضمانة لحقوق المواطنين وحرياتهم، فثورة 25 يناير و30 يونيو نجحتا في تحقيق أهم هدفين: الحفاظ علي كرامة المواطن المصري، وفتح مساحة المشاركة المجتمعية في إدارة الشأن العام وهو ما جسده الخطاب الأخير للرئيس السيسي للأمة والذي اعتبره البعض كشف حساب عما قام به خلال الفترة الماضية، وشرح لخطواته المقبلة. لمزيد من مقالات عماد المهدى